ثامر الزغلامي – تونس. توافد عشرات المهاجرين الأفارقة على مركز الإيواء في محافظة مدنين أقصى الجنوب التونسي، بعد عبورهم الحدود التونسية الليبية هرباً من الممارسات العنصرية التي تعرضوا لها في ليبيا. مهاجرون من المغرب ومن بلدان إفريقية جنوب الصحراء وصلوا إلى ليبيا حالمين بعبور المتوسط، نحو يوروبا لينتهي بهم المطاف على الأراضي التونسية في مواجهة مصير مجهول.
فشل الرحلة السرية باتجاه أوروبا انطلاقاً من السواحل الليبية، يعني السقوط في أيدي تجار البشر، يقول “اسماعيل” من الكاميرون: كنت أعرف أنني سأواجه أياماً سوداء في ليبيا عندما اعترضنا خفر السواحل الليبي في عرض البحر.
المال مقابل الحرية
يواصل “اسماعيل”: تعرضنا للإهانة والضرب والتجويع لثلاثة أيام، في مركز احتجاز بمدنية (صبراطة) غرب ليبيا، وتم إطلاق سراحنا مقابل ما لدينا من أموال.
اسماعيل وصل إلى تونس بعد رحلةٍ شاقة ويقيم في مركز إيواء المهاجرين بمدنين، ويستعد للعودة إلى وطنه بعد استكمال الإجراءات القانونية للسفر بمساعدة منظمات حقوقية. لكنه مازال يأمل في الوصول إلى يوروبا ويضيف “لا أعرف كيف سأواجه المستقبل، الحياة في بلدي لا تطاق، والفقر قد يدفعني إلى المغامرة من جديد”.
في نفس المركز حدثنا “محمد” من المغرب، والذي كان شاهد عيان على تعرض مهاجرين أفارقة إلى الصعق بالكهرباء والضرب، لإجبارهم على دفع فدية مقابل إطلاق سراحهم. تمكن محمد من الوصول إلى تونس بمساعدة أحد معارفه المقيم في ليبيا منذ فترة، وبعد دفعه 500 يورو لأحد المهربين.
هذه الشهادات تتطابق مع ما نشره مؤخراً المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، حيث نشر المنتدى شهادة احد المهاجرين من غينيا قال فيها: سُجنت ثلاث مرات منذ وصولي إلى ليبيا، واضطر أهلي إلى دفع الكفالة لإخراجي من هناك. في ليبيا لا يوجد سجون حكومية، تم سجني في غرفة صغيرة زُج بها أكثر من 150 شخصاً لا يُقدَم لنا فيها حتى الطعام.
الهروب من الرق
تنشط في ليبيا عصابات الإتجار بالبشر، التي تترصد المهاجرين الأفارقة في كل مكان، يقول “إدريس” من غينيا: وقعت في قبضة أحد المتاجرين بالبشر الذي وعدني بالسفر إلى أوروبا، وبعد أن سلب كل أموالي باعني إلى أحد الليبيين في منطقة قريبة من طرابلس لأعمل في تنظيف الإسطبلات والفلاحة، تمكنت من الهرب بعد احتجازٍ لمدة شهرين.
إدريس لا يرغب في العودة إلى بلده، ويأمل في مساعدةٍ للوصول إلى أوروبا أو البقاء في تونس، ويقول: أنا الآن في وضع مستقر نسبياً في تونس، ولا أرغب في التفكير في المستقبل، فقط أحاول نسيان ما رأيته في ليبيا.
تقارير إعلامية ومنظمات دولية، أكدت تعرض العديد من المهاجرين الأفارقة للبيع بهدف العمل في أنشطة مهينة. رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة إلى ليبيا، عثمان بلبيسي قال إن «المهاجرين يُباعون في ليبيا بأسعار تتراوح بين 200 و500 دولار، ويحتجزون لشهرين أو ثلاثة في السجون».
وأجمعت كل الشهادات التي جمعها المركز؛ أن الكثير من الأفارقة الذين عجزوا عن توفير المال، تعرضوا للبيع في مزادات بمناطق مختلفة من ليبيا، أغلبها كانت في محيط مدينة طرابلس، لكنّ الناشط في مجال الهجرة مصطفى عبد الكبير له راي آخر، حيث يقول إنه تم توظيف بعض الأحداث المعزولة لعرقلة الحوار الليبي بين الأطراف السياسية، ولم ينكر وجود انتهاكات لحقوق الإنسان في ليبيا، خصوصاً أن مراكز الاحتجاز لا تخضع لمراقبة السلطات الليبية.
المصير المجهول في تونس
تحاول منظمات تونسية الإحاطة بالمهاجرين واللاجئين القادمين من ليبيا، بالتعاون مع السلطات التونسية، ويوفر مركز “مدنين” للاجئين بالجنوب التونسي كل وسائل الراحة لهؤلاء، في انتظار تسوية وضعهم القانوني. يقول محمد من المغرب نحن الآن في وضعٍ مستقر، لكنه مؤقت في تونس ومستقبلنا مجهول، وعودة الكثير منا إلى بلدانهم ستكون قاسيةً قسوة ما عشناه في ليبيا.
هذا الرأي يوافقه مهاجرون من غينيا، يسألون كل من يعترضهم عن إمكانية اللجوء في تونس، والحصول على عمل لتأمين المال لمساعدة عائلاتهم.
السلطات التونسية تحرص على تفقد ظروف إيواء المقيمين بالمركز، حيث زار المركز مؤخراً المهدي بن غربية، وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، وأكد على ضرورة الرعاية الصحية والإنسانية للمهاجرين، وعلى حرص الحكومة على دعم العمل الذي تقوم به المنظمات المحلية والدولية هناك.
يذكر أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، والمنظمة الدولية للهجرة والهلال الاحمر التونسي، تشرف على المركز الذي استقبل خلال سنة 2017، قرابة ألف مهاجر من بلدان إفريقية مختلفة. و تقول فاطمة الشهيدي ممثلة المنظمة الدولية للهجرة “نحاول أن نقدم لهم حصص توعية حول وضعهم القانوني في تونس والحلول المتاحة لهم”.