عبدالرزاق حمدون. صحفي رياضي مقيم في ألمانيا
“يؤسفني أن ينظر إلينا العالم بسذاجة لأننا نحب شخص ثرثار ومغرور ومُدمن مخدرات، لكنهم لا يعلمون ماذا جلبت لنا من فرح هنا في الأرجنتين، ولا يعلمون أن أفراح البلاد الحزينة في العقدين الأخيرين كانت غالباً بسببك أنت”، هذه كانت رسالة إحدى المشجعات الأرجنتينيات لـ مارادونا عندما تعرّض لوعكة صحيّة سابقة ودخل على إثرها المستشفى.
عند الحديث عن دييغو أرماندو مارادونا، يجب علينا أن نفصل بين حياته الشخصية المليئة بالأحداث الصاخبة وغير المسؤولة، وبين ما قدّمه هذا النجم الأسطوري لكرة القدم؛ ليس فقط داخل أرضية الميدان ولكن حتى خارج الملاعب. إن الفصل بين مكانته في قلوب عشّاق كرة القدم وحياته الشخصية الجدلية، يعتبر حالة استثنائية مليئة بالتناقضات، لكن عندما نتحدث عن مارادونا يجب أن يكون كل شيء استثنائي.
يقول مارادونا في إحدى المقابلات: “لو كنت في حفلة زفاف وأرتدي البدلة البيضاء وجاءتني كرة مليئة بالوحل، سوف أستقبلها بصدري”. دييغو مارادونا يشبه كرة القدم اللعبة الشعبية التي انطلقت من الشوارع الضيّقة ومن أحياء الفقراء والتي أصبحت عشقاً لهم، كما يشبه أبطال الأفلام والروايات الذين نتعلق بهم، بل هو حقيقي أكثر منهم. دييغو حقيقي لدرجة أنه يشبهنا بتصريحاته وبعلاقته مع الجميع، فهو يتحدّث بلسان الجماهير بعيد عن اللباقة، ويتكلّم ببساطة مع ابتسامة تروي لنا مدى مصداقيته مع نفسه وتفضيله لكرة القدم على نفسه، لتبقى كلماته أمام جماهير البوكا جونيور عالقة في الأذهان “كرة القدم تستحق الحب أكثر ويجب علينا أن نحبها أكثر. أنا أسأت التصرّف في الكثير من المواقف ولم أعطيها الحب الكافي، لكنني أحبها”.
لن نتحدث عما قدّمه مارادونا داخل المستطيل الأخضر، لأن ذلك يحتاج إلى الكثير من الكلام. لكن الحديث عن ظاهرة وبطل ينتمي إلينا نحن الجماهير، فهو ثوري عند اليساريين ومعشوق حتى الموت عند اليمنيين، هو الثائر العاطفي الذي خطف قلوب الجميع في كل مكان ارتحل ليه، هو مسيح بيونيس آيرس بعدما سجّل هدفه الشهير على انكلترا بيده وقال “هذا الهدف فيه القليل من رأسي والقليل من يد الله”، هو الذي وحّد الأرجنتين بشقّيها بوكا جونيورز وريفربلايت على الوقوف جنباً إلى جنب عندما يتعرّض لأزمة صحيّة، هو البطل الأسطوري للبلدان المنسية والجماهير الحالمة بالنصر، ولو عبر شخص الوصول له مستحيل ولكنه يشبههنا كثيراً.
رحلة مارادونا مع الحياة انتهت وهو كان مؤمن بذلك أن الوقت سيأتي عندما يشاء الرب بذلك، هو المؤمن كإيماننا نحن المغلوب على أمرنا، يعلم أن ما يقدّمه من سحر كروي هو هِبة من عند الله لذا قال “أرسم الصليب كل ما دخلت أرض الملعب”، يسمع ما تقوله له والدته ويفهم كلامها أكثر من أي أحد “أمي قالت أنني شيء عظيم وأنا أصدق ما تقوله أمي”.
صفات مارداونا الاستثنائية في عالم كرة القدم لا تنتهي، فقد دمج بين الموهبة والكاريزما القيادية وهذا ما جعله شخصية متكاملة دائماً، فعند الحديث عن كرة القدم لا بدّ من ذكر اسمه دوماً، وفي الحارات الشعبية يتردد اسمه دوماً فهو من اختزل اسم مونديال المكسيك 1986 باسمه ونصّب نفسه أفضل لاعب في العالم، بل أول لاعب يُذكر اسمه قبل مونديال كامل.
رحل الاستثنائي وترك خلفه إرثاً كبيراً، ربما يرى البعض ومنهم مارادونا نفسه أن ميسي هو الوريث الشرعي لإرثه لكن بحاجة للقب كأس عالم، ولكن الحقيقة هي أن ميسي نفسه على بعد رقم 1 من الملك رقم 10، الرقم الذي طالب البرتغالي فيلاش بواش مدرب مارسيليا بإلغائه من قبل الـ FIFA عند جميع الاندية.
اقرأ/ي أيضاً:
جنازة مارادونا: الأرجنتينيون يلقون نظرة الوداع الأخيرة على أسطورة كرة القدم دييغو مارادونا