ترجمة وإعداد: دينا أبو الحسن.
كانت نساء بولندا على موعد مع حدث تاريخي أوائل شهر أكتوبر، حيث خرجت ملايين النساء للتظاهر في يوم عرف باسم “الإثنين الأسود”، ضد قرار مطروح على البرلمان، يقضي بمنع وتجريم الإجهاض مهما كانت أسبابه.
الملفت في التظاهرات التي عمت كافة أرجاء البلاد، كان مشاركة النساء من كافة الأعمار، حتى اللواتي تجاوزن سن الحمل والولادة، ولم يعد لقرار كهذا تأثير شخصي على حياتهن. شاركن بمنتهى الحماس، وعبرن عن إرادة صلبة في مواجهة قرار سيحد من خياراتهن في الحياة، حتى لو كنّ من الرافضات لقرار الإجهاض المؤمنات بحق الحياة للأجنة.
لم يكن الأمر شخصيًا بالنسبة لهن، رفضن ببساطة أي قانون يقيد خياراتهن أو ينتقص من حقوقهن كنساء. التنازل عن أي من هذه الحقوق يعد خطوة إلى الوراء، قد تتبعها خطوات ستتطلب فيما بعض سنوات من العمل الشاق لتعويضها. حقوق النساء لم تقدم لهن، بل خضن كفاحًا مريرًا لانتزاعها في رحلة امتدت لعدة عقود من الزمن.
يعد مفهوم حقوق المرأة حديثًا نسبيًا،
فحتى منتصف القرن الماضي، كان الحديث عن حقوق النساء يطرح ضمن سياق حقوق الإنسان بشكل عام، حيث يؤكد ميثاق الأمم المتحدة على أن من واجب الدول الأعضاء “السعي في سبيل تطبيق كافة الحقوق الإنسانية والحريات الأساسية”، بينما تنص الشرعة الدولية لحقوق الإنسان على المساواة في الحقوق بين الرجال والنساء وتركز على حقوق النساء الإنسانية. بدوره، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يؤكد على أحقية الجميع بالمساواة أمام القانون والتمتع بالحقوق الإنسانية والحريات الأساسية دون تمييز من أي نوع، ومن ضمنه التمييز على اساس الجنس.
لجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة
هذه الاتفاقيات أرست الأسس للمساواة بين الجنسين، إلا أنها كثيرًا ما كانت عاجزة عن ضمان حصول النساء على حقوقهن وفقًا للشرائع الدولية. نتيجة لذلك، تم تأسيس لجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة عام 1946، لتختص بتعريف عدم التمييز وإيجاد الضمانات له، وقد أدى عملها إلى إصدار عدة إعلانات ومواثيق مهمة في صالح حقوق النساء الإنسانية. شملت مهمات اللجنة تحضير توصيات متعلقة بالمشاكل العاجلة التي تتطلب اهتمامًا فوريًا في مجال حقوق المرأة، بهدف تطبيق مبدأ المساواة في الحقوق بين الرجال والنساء وتطوير مقترحات لتطبيق توصياتها.
وضعت اللجنة اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة، التي اعتمدتها الجمعية العامة عام 1952، واتفاقية جنسية المرأة المتزوجة، التي اعتمدتها الجمعية العامة عام 1957، واتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج وتسجيل عقود الزواج المعتمدة عام 1962، وتوصية بشأن الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج، وتسجيل عقود الزواج اعتمدت عام 1965.
حتى ذلك الحين، كان يسود اعتقاد بأن هذه هي النقاط التي تقصر مواثيق حقوق الإنسان عن تغطيتها بالنسبة لحقوق النساء، أما بقية حقوقهن، فتلك المواثيق تتكفل بها.
هذه المقاربة لم تكن ناجعة إلى حد كبير،
حيث فشلت في معالجة التمييز ضد النساء كقضية عامة، وركزت على جوانب محددة فقط، في الوقت الذي لم تكن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان كافية لحماية حقوق النساء.
لذلك، تمت عام 1963 دعوة لجنة وضع المرأة لتحضير مسودة تصريح يستطيع جمع المعايير الدولية الخاصة بالمساواة بين الرجال والنساء. وقد بدأ العمل بإطلاق إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة عام 1965، والذي تم اعتماده من قبل الأمم المتحدة عام 1967. لم يكن هذا الإعلان أكثر من إعلان نوايا أخلاقي وسياسي، دون أي قوة تنفيذية، إلا أن صياغته لم تكن سهلة، بسبب عدة مواد متعلقة بالمساواة في الزواج والأسرة والتوظيف.
وقد شهدت فترة الستينات من القرن العشرين وعيًا جديدًا حول نماذج التمييز ضد المرأة، صاحبه ارتفاع في عدد المنظمات الملتزمة بمحاربة هذا التمييز وآثاره.
تطور عمل لجنة وضع المرأة باتجاه وضع اتفاقية ملزمة للدول الموقعة عليها، وقررت اللجنة بعد مشاورات مع الدول الأعضاء إعداد وثيقة شاملة وملزمة دوليًا للقضاء على التمييز ضد المرأة، وحظي هذا المشروع بدعم الناشطات ضمن مؤسسات الأمم المتحدة وخارجها.
اتفاقية لإلغاء التمييز ضد النساء “سيداو”
عملت اللجنة على إعداد وثيقة القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة ما بين عامي 1976 و1979، سبقها عقد المؤتمر العالمي للعام الدولي للمرأة في المكسيك عام 1975، والذي دعا لوضع اتفاقية لإلغاء التمييز ضد النساء مع آليات تطبيقها.
هذا العمل جاء بتشجيع من الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي دعت لجنة وضع المرأة لإنهاء عملها بحلول عام 1976، بحيث يمكن إكمال وضع الاتفاقية بحلول عام 1980، الذي يقام فيه مؤتمر كوبنهاغن لمراجعة فترة منتصف العقد (المؤتمر العالمي لعقد الأمم المتحدة للمرأة: المساواة والتنمية والسلام)، وقد تم بالفعل إقرار الاتفاقية التي أصبحت تعرف باسم “سيداو” في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979، حيث صوتت 130 دولة لصالحها فيما امتنعت 10 دول عن التصويت، وتبنت الجمعية العامة الاتفاقية بقرار يحمل رقم 180/34.
الولايات المتحدة الأمريكية لم توقع عليها
وقد وقعت 64 دولة على الاتفاقية في مؤتمر كوبنهاجن في 17 يوليو عام 1980، ودخلت حيز التنفيذ في 3 سبتمبر عام 1981.
وبينما سارعت معظم الدول الأوروبية إلى التوقيع على اتفاقية “سيداو” وتبنيها، فإن الولايات المتحدة الأمريكية لم توقع عليها حتى الساعة، حيث تعتبرها نوعًا من التدخل في شؤونها الداخلية، كما ترى أن الاتفاقية تتدخل في الشؤون الشخصية المتعلقة بتحديد النسل.
الدول الأخرى التي لم توقع الاتفاقية هي إيران والفاتيكان والسودان والصومال وتونغا، بينما وقعت معظم الدول العربية عليها مع إبداء تحفظات على بعض المواد غالبًا لتعارضها مع دساتير تلك الدول.
المصدر: موقع الأمم المتحدة للمرأة.