عبد الرحيم العوجي. فنان وناشط مدني لبناني
في العام ٢٠١١ مشينا تحت المطر في أولى مظاهرات حراك إسقاط النظام الطائفي في لبنان ، ما عُرف حينها بمسيرة المظلات (الشماسي). كنا بالمئات، مشينا إلى جانب ثورات الربيع العربي التي يرفض الكثير زهورها، فكما يحمل الربيع الزهور الجميلة يحمل أيضاً الحشرات المزعجة، لكنه يبقى ربيعاً.
كنا نصدح بالكلمات التالية: “حد المصرية ثورة حد الليبية ثورة حد السورية ثورة” حينها وعند الوصول إلى الثورة السورية كان ينهال علينا محبو النظام بالشتائم والضرب، لكننا استمرينا. لم يكن هناك من فرحٍ يسعنا، ٢٠٠ شخص أو ٣٠٠ أو ربما ٥٠٠، خرجوا من انتمائهم الطائفي، يا لهذا العدد الضخم، من كان ليصدق أننا نستطيع جمع هذا العدد من اللبنانيين تحت راية الوطن فقط، حينها استوقفني مراسل للتلفاز وسألني رأيي فقلت: أريد أن أقول لرؤساء المليشيات اللبنانية عليكم أن تنتبهوا دوركم جاية.. لم أصدقني حينها.
انتهت المسيرة، وبعد أشهرٍ عديدة انتهى الحراك بسبب محاولة السلطة السيطرة عليه عبر إرسال محازبيها للاجتماعات التأسيسية. والتحجج بالديمقراطية للحصول على مقعد ورأي في التنظيم، كيف تكون ديمقراطياً مع أحزابٍ لا ديمقراطية
لا انتخابات لديها ولا أيديولوجيا؟
أُصبنا بالإحباط، إذ لم نكن نعي حينها أننا بحلّ حملة إسقاط النظام الطائفي كنا ننقذها.. أنقذناها من السلطة، دفنـّاها لتزهر حراكاً شعبياً عفوياً في الـ ٢٠١٥، بعد أزمة تراكم القمامة في الشارع، حراكاً شعبياً سارع الحراك المدني لتبنيه وتوجيهه، الأمر الذي أدى إلى إسقاطه.
الحراك المدني في معظمه ينتمي إلى جمعياتٍ أهلية تحصل على الدعم المالي الخارجي، وهذه ثغرة استخدمتها السلطة لاتهام الحراك بالعمالة. وعلى الجانب الآخر رفض المشاركون السماح للوجوه المنظمة أن تتكلم باسمهم فهم لا يعرفون من هي، لكن كل هذا لم يمنع أن الـ ٥٠٠ شخص أصبحوا أكثر، وأن الحراك الشعبي استطاع حشد ما يقارب الـ ٢٠ ألف مواطن ضد النظام اللبناني الطائفي المليشيوي.. سقط هذا الحراك أيضاً.
شعرنا بالإحباط مرةً أخرى، قلنا حينها إن معركة لبنان ليست مع نظامٍ واضح المعالم بل مع أخطبوط من المليشيات المسيطرة ليس على الحكم فقط بل على القوى الأمنية والاقتصادية، ولن ننجح إلا بوعي الناس أن أعداءهم الحقيقين هم أحزابهم وطوائفهم
وهذا سيحصل يوماً. أيضاً حينها لم أصدقني.. حتى حصل ما حصل في الأيام الماضية.
أنا اليوم أكتب هذه الكلمات في اليوم الثامن من الحراك الشعبي أو الثورة، ما حصل لم يحصل من قبل حتى أن البعض أسماها نهاية الحرب الأهلية في لبنان .
الناس في الجنوب بأغلبهم ما عادوا يخافون حزبَ الله ولا حركة أمل، بل ويشتمونهما في العلن، الناس في طرابلس يرقصون في الشارع تحت عيون السلفيين، المسيحيون في مناطقهم يشاركون بالتظاهر لأول مرة وهم من كان يخاف من كل حراك يحصل، لأن المسلمين تارةً والشيوعين طوراً كانوا عصب الحراك، وحتى “المندسين” على دراجاتهم النارية الذين قام نبيه بري بإرسالهم عام ٢٠١٥ لضرب المتظاهرين أصبحوا اليوم يتظاهرون إلى جانبهم.
الناس احتلت وسط بيروت، رداً على النظام الذي حرمهم الحدائق والساحات العامة ،حرمهم أماكن ليلتقوا، يتكلموا وليعلموا كم هم متشابهون، هم الآن يرقصون سوياً في الساحات.
تعلم الحراك المدني من أخطائه السابقة فسعى إلى عدم الظهور في الواجهة بل في الخطوط الخلفية داعماً لما يريده الشارع وربما هذا ما ساهم ببقاء الناس في الشارع وهذا ما حول الـ ٥٠٠ شخص إلى مليون.
لكن السؤال الآن ماذا بعد كل هذا؟
لا أدري، ولست مهتماً، الثورة مثل الحب لاتدري متى تصيبك لتجعل كل الأشياء جميلة فلا ترى نهايةً لها، لكنك أيضاً لا تدري متى وكيف تنتهي، وإن انتهت بشكلٍ سيء، ربما ستخسر كل شيء، ولكن ما نوع الإنسان الذي ستكونه لو عشت عمرك كله دون أن تشعر بالحب؟
اقرأ/ي أيضاً:
“كلهن يعني كلهن”.. ثوار لبنان يطالبون برحيل كل أمراء الحرب والفساد
حرائق ضخمة في لبنان: النيران تلتهم المناطق المحيطة ببيروت وتمتد إلى سوريا