أمجد آشتي. صحفي من سوريا
منذ ما يقارب العقد من الزمن، ظهر مصطلح جديد في سوق العمل وهو الـ “freelance”، ويتميز هذا النمط من العمل بعدة مقومات تغري الشباب وتجذبهم إليه؛ أهمها اقتصار العمل على شخصين: العامل والعميل ما يسهل على الطرفين تعقيدات التواصل والتنسيق، وغياب البيروقراطية الوظيفية التي تساعد على تعزيز الشعور بالحرية أثناء العمل.
كورونا وأصحاب المهن الحرة: العمل الحر أو المستقل اليوم يمر كغيره من الأعمال، بضائقة على مستوى الطلب وبالتالي على مستوى الدخل الذي كان يحققه المتعاقد الحر قبل أزمة فايروس كورونا، والتي عادت لتؤرق الدول واقتصاداتها ولا سيما في أوروبا. فكيف أثرت وتؤثر جائحة فايروس كورونا على المستقلين في أعمالهم؟ وكيف تعاملت الدول مع هذه الآثار؟ وما هي المصاعب التي كانت تواجههم فيما مضى؟
مصاعب العمل كمتعاقد حر “freelancer” ما قبل كورونا
إن عملك كمتعاقد حر لا يجعلك بالضرورة شخصاً حراً وسعيد بعيداً عن ضغوط العمل التقليدية، بل على العكس تماماً ففي الكثير من الأحيان، يكون أغلب العاملين في هذا المجال يعملون من بيوتهم؛ حيث نراهم يعانون في الفصل بين أوقات العمل وأوقات الراحة إلى درجة التماهي بين الوقتين، بينما تضمحل الحياة الخاصة، وتؤدي قلة التوازن تلك إلى الوقوع في المشاكل نفسها التي يعاني منها العاملون في الشركات الخاصة ولربما أعقد؛ فتختفي الإجازات المدفوعة التي تعد متنفساً للهرب من العمل، فاليوم الذي يمر بلا عمل يعد خسارة وليس هناك من أحد أو مؤسسة لسد العجز الاقتصادي الذي يحدثه غياب الفرد عن العمل، ناهيك عن الوظائف المتعددة التي يشغلها المتعاقد الحر وحده؛ فهو المسوق والمنفذ والسكرتير في آن معاً. وباختصار فإن مهام شركة كاملة تقع على عاتق ال”freelancer”.
ولا نغفل هنا عن الدور التي تلعبه المنافسة التي يتعرض لها العامل الحر في سوق العمل، سواء من الشركات العملاقة التي تتمتع بالمصداقية والموثوقية من قبل العميل، أو من المتعاقدين الأحرار الآخرين أصحاب الخبرة الأكبر، أو أصحاب الأجور الزهيدة والتي بطبيعة الحال ستكون أجوراً منافسة.
اقرأ/ي أيضاً: Kurzarbeit معلومات عن تخفيض ساعات العمل في ألمانيا في ظل جائحة كورونا
أوضاع المتعاقدين الأحرار في أزمة كورونا
مع إعلان منظمة الصحة العالمية حالة الوباء العالمي، وتطبيق الإغلاق، جلس معظم العاملين في الدولة أو في الشركات الخاصة في منازلهم منتظرين التالي وما سيحدث، لكن دون قلقٍ كبير على مستقبل أعمالهم، لما توفره عادةً تلك المؤسسات الحكومية والشركات من ضمانات للعامل تقيه من هذه الهزات الاقتصادية.
ولكن كورونا وأصحاب المهن الحرة قصة أخرى، حيث واجه المتعاقدون الأحرار خسائر كبيرة بالدخل، مما أدى لأزمة مالية ملازمة لعدم اليقين حول مآل أعمالهم. وفي بعض الحالات اضطروا للاستمرار بالعمل دون اعتبار للأخطار الصحية المهددة لهم. كما جاءت ضربة كبرى للعاملين بأجور زهيدة تغطيها في العادة وفرة العمل، فهؤلاء عانوا من خسائر مادية ضخمة نظراً لتناقص الطلب.
بحسب إحصاء قام به المرصد الاقتصادي البريطاني الخاص بآثار فايروس كورونا الاقتصادية، فإنَ أكثر من ثُلث المتعاقدين الأحرار عانوا من مشاكل جمة في دفع المصاريف الأساسية (الطعام، الإيجارات، الضمان الصحي) منذ أُعلنَ عن انتشار الفايروس عالمياً بوصفه جائحة.
كما وكشفَ عن أن أربعة من كل خمسة أشخاص من المتعاقدين الأحرار يشعرون حتى اليوم بأن صحتهم في خطر، وأنهم لم يلتزموا بالحجر المنزلي وتابعوا العمل بسبب الخوف من خسارة أعمالهم أو العجز الاقتصادي على المستوى الفردي.
أما عن الإجراءات الحكومية في بعض الدول الأوروبية، فقد أطلقت الحكومة الألمانية حزمة مساعدات مادية غير محدودة لمساعدة المتضررين من الشركات أو من المتعاقدين الأحرار بالإضافة لعدة إجراءات شملت تقليل وزيادة مرونة ساعات العمل، بالإضافة لإعفاءات ضريبية لزيادة السيولة المادية، وضخ المليارات لمساعدة الشركات والأفراد المتضررين في أعمالهم.
وللإحاطة بأوجه الآثار السلبية للفايروس على المتعاقدين الأحرار، التقت أبواب بالسيد منصور الساجر، مصور وصانع فيديوهات محترف سوري الأصل ويعمل في ألمانيا، سألناه عن وقع الإغلاق وآثاره على عمله وكيف تعامل مع الأمر فأجاب:
“كنت مضطراً بحسب طبيعة عملي، إلى الاختلاط كثيراً مع الآخرين، وبسبب حالة الرعب التي ولدها الوباء، قمت بتأجيل عقود العمل التي كنت قد أبرمتها مع بعض الأفراد والتزمت بالمنزل، لكن وبعد مرور الأسابيع الأولى قمت بمراجعة مصاريفي وما علي دفعه فوجدتني واقعاً في مشكلة حقيقية”.
ويضيف منصور:
” أعتمد كلياً على عملي الحر وبالتالي كان لابد من إيجاد حل. فكرت في فتح قناة يوتيوب معتمداً على مهارتي بالتصوير والمونتاج، لكن بعد دراسة الموضوع أكثر اكتشف بأنها مجرد مضيعة للوقت، لذا وجب علي التفكير بحل آخر، عرضت خدماتي بالمونتاج على مواقع الفري لانسر، وتواصلت مع بعض الأشخاص ممن أعتقد بأنهم بحاجة لخدماتي بالمونتاج وحصلت على بضعة عقود صغيرة للعمل، لكنها فعلياً لم تكن كافية، وكنت في النهاية مهدداً بالطرد من شقتي. “.
ويتابع: اضطررت في نهاية الأمر إلى بيع سيارتي لتغطية النفقات المستحقة والديون. لم أستطع أن أتابع بتلك الطريقة لذا تحتم علي أن أخرج للعمل خارج المنزل، فتواصلت مع بعض العملاء ووضحت لهم بأنني مستعد للعمل، بالتأكيد استغلوا حاجتي للعمل وعرضوا علي مبلغاً زهيداً وما كان مني إلا أن أخذت العرض الذي قدم لي وعدت للعمل مجدداً”.
ولدى سؤالنا منصور عما إذا كان سيتابع العمل كمتعاقد حر بعد نهاية الحظر الصحي أجاب:
“لا أعلم ولكن الوباء دفعني للتفكير كثيراً بالمستقبل، فقبل كورونا لم أفكر أبداً ما الذي سيحصل في حال لم أستطع العمل وتلك الفكرة اليوم لا تفارقني، أعتقد بأنني سأحاول إيجاد وظيفة شبه دائمة لدى إحدى الشركات، وسأتابع عملي الخاص في أوقات الفراغ”.
اقرأ/ي أيضاً: قانون السلامة المهنية في ألمانيا: الصحة النفسية وتأثيرها في بيئة العمل
حالة اللا يقين والخوف من المستقبل بالنسبة إلى كورونا وأصحاب المهن الحرة سيطرت بشكل كبير على حديث منصور، لكن لدى لقائنا مع تالا نصر، طالبة في المرحلة الجامعية تدرس التصميم الإعلاني وتعمل كسائقة أوبر في ألمانيا ضمن مقاطعة درزدن، أوضحت أن الضرر الفعلي ليس بنقص المدخول أو ما شابه بل من خطر الإصابة بالفايروس، نظراً لأنها استمرت بالعمل على الرغم من التحذيرات الصحية.
قالت تالا لأبواب:”لم أتوقف عن العمل بسبب الفايروس التزمت بالكمامة وبتعقيم يدي وسيارتي بعد كل توصيلة، لكن ذلك لم يكن كافياً. فطبيعة عملي لدى تطبيق أوبر يفرض علي عدم الالتزام بالحجر المنزلي، وأي تقصير في العمل يعني مالاً أقل وأنا أعتمد بشكل كبير على المال القادم من عملي مع التطبيق في دفع المصاريف اليومية، بالطبع لا يوجد تأمين صحي لأنني لست مسجلة داخل لوائح الشركة فوظيفة التطبيق هي الوساطة بين مقدم خدمة التوصيل ومتلقيها، فهو لا يقدم لنا سوى الزبون ويحدد الأسعار التي يجب أن نتقاضاها على الرحلة ما تبقى يقع على عاتقي كسائقة”.
وتحكي لنا تالا عن معاناتها في العمل عبر تطبيق أوبر: “إضافةً لغياب التأمين الصحي، فإن أوبر لم تعطينا كسائقيها أي تعويضات بسبب تناقص الأرباح نظراً لتفشي الفايروس، وبالتالي توجب علي العمل ساعات أكثر لتحصيل نفس المرتب الذي كنت أحصله ما قبل كورونا، وساعات أكثر يعني اختلاط أكثر وبالتالي فرصة أكبر للإصابة. وفعلاً هذا ما جرى فقد التقطت العدوى واضطررت للبقاء في المنزل والغياب عن العمل لمدة شهر، الأمر الذي أنهكني ودفع بي إلى حافة الإفلاس، استعنت ببعض الأصدقاء من الناحية المادية إضافة للمعونات الطلابية فكانت معاً كافية لتسديد إيجار المنزل الذي أقطن به.
المحنة دفعت تالا للبحث عن بدائل تحميها في المستقبل وعن هذا تقول: “اليوم صحتي جيدة فقد تعافيت من المرض تماماً لكني قطعاً لن أعود للعمل مع أوبر، أثناء الفترة التي قضيتها بالمنزل تعلمت عدداً من المهارات الجديدة في التسويق وغيرها، وهذا ما دفعني للتخطيط لمشروعي الخاص بصناعة وبيع مصنوعات جلدية (حقائب ومحافظ) يدوية وقريباً سيخرج إلى النور. “.
أمجد آشتي