د. محمد الزّكري. أنثروبولوجي بحريني مقيم في ألمانيا
جاءت النبي إبراهيم رؤيا منامية رأى فيها أنه يذبح ابنه اسماعيل، ونعلم أن اسماعيل أول أبناء ابراهيم “ص” من بعد حرمان طويل من الإنجاب. تسببت فكرة ذبح ابنه بمعاناة ضخمة على فؤاد النبي وهو الأب الحنون، وفي سعييهما وجد ابراهيم الجرأة ليخبر ابنه برؤياه تلك. وهنا استطاع الإبن أن يخرج أباه من محنته، إذ قال يا أبي لا تفعل ما “ترى” بل افعل ما “تؤمر”.. فأنت رسول، وأنت تتلقى أوامرك من الله تعالى وإذا أمرك الله بشيءٍ فافعله فهو الرحمن الرحيم.
فكأنما قال اسماعيل “ص” فقط نفذ ما تؤمر به وحينها سأكون متعاوناً مع ما تؤمَر لا مع ما ترى.
ارتاح ابراهيم لحكمة ابنه اسماعيل عليهما السلام، ولعل كلام اسماعيل جعل إبراهيم يدرك تماماً معنى رؤياه وأن عليه تمثيل مسرحية الذبح وليس تنفيذها فعلياً، لكي يعالج ظاهرة تفشي تقديم القرابين البشرية المنتشرة في زمانه بشكل قلق.
كانت خزاعة القبيلة المكية وثنية وكانت العراق غارقة في وثنيتها، كذلك سوريا ومصر، وكان من طقوس الوثنيات ذبح الأطفال كقرابييين لمعتقداتهم وآلهتهم الوثنية. وعندما أخبر ابراهيم خزاعة الوثنية بأنه سيذبح ابنه كقربان لربه تبعه الوثنيون فرحون بعمل يشابه طقوسهم. ولكن بدلاً من أن يذبح ابنه ذبح كبشاً وبدل أن يحتفظ بلحمه وزعه على فقراء خزاعة.
وهنا تناقل الوثنيون خبر إلغاء رب ابراهيم طقس الحاجة إلى قتل الاطفال وأحل محله طقس ذبح الخراف وتقديمه للمحتاجين. فانتصر ابراهيم وانتصر اسماعيل عليهما الصلاة والسلام وخسرت وثنيات الأرض الدموية إلى اليوم.
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102).
فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111)