عبد الرزاق حمدون. صحفي رياضي مقيم في ألمانيا
في المعارك الشجاعة وحدها لا تكفي إذا لم تقترن بعتاد كامل وخطط برؤية صحيحة، قد تسعفك في أحلك الظروف وأكثرها قتلاً، والمنطق في الكثير من الأحيان يقول كلمته الأخيرة، وتندثر دقائق الشجاعة وتبقى في أرشيف الذكريات وحيدة.
في الأمس تعاطف معظم المتابعين مع فريق أتالانتا الإيطالي على حساب باريس سان جيرمان الفرنسي “و أنا منهم”، لما قدّمه هذا الفريق من متعة كروية حقيقية هذا العام، من كرة هجومية شاملة لتقديس فكرة الهجوم أفضل وسيلة للدفاع، وبأسماء مجموع راتبها السنوي يعادل راتب نيمار نجم باريس سان جيرمان، مع مدرب عجوز يملك شجاعة الشبّان ويتفوّق عليهم بعقلية لا تقبل الهزيمة إلا برأس مرفوع واحترام الجميع.
خلال الشوط الأول استطاع أتالانتا أن يطير بآمال وأحلام الجماهير المتابعة إلى عنان السماء، شوط تعامل فيه غاسبيريني ولاعبيه مع باريس على أنهم فريق متوسط من الكالتشيو، فلم يعودوا للخلف، بل بادروا إلى الهجوم، ولم تمنعهم فرص نيمار وتحركاته من مبادلة خصمهم للفرص والتسجيل أولاً، وتصاعد الضغط أكثر فأكثر لدرجة أننا لم نشاهد وسطاً صريحاً للباريسيين “بعيداً عن الغيابات”، شوط أول مثالي لممثل إيطاليا، لكن كما قلنا الشجاعة دون تفكير وخطّة لا تكفي.
باريس المدجج بالنجوم والدكة القوية
أمام باريس المدجج بالنجوم والدكة القوية عليك أن تلعب بحذر لا بتهور، بعد شوط أول رائع “لكنه أرهق أتالانتا ولاعبيه وحتى مدربه” ، ليخرج غوميز قبل وصولنا للدقيقة 60 من عمر المباراة، ومن ثم زاباتا ليعلن غاسبيريني عودته للدفاع. وهنا سلّم الملعب لخصمه بشكل واضح، خصمه الذي يملك أسماءً بحجم نيمار ومبابي كفيلين لاستغلال تلك الفرص، ربما كلاهما بميزانية نادي أتالانتا ولكنهما تواجدوا مع باريس لمثل هذه المواقف.
قد يضيع نيمار فرصة أو اثنتين أو ثلاثة أو حتى عشرة، ولكن شمسه لا تغيب ولا يرضى إلا أن يستغل أي موقف ليظهر على الساحة، كذلك الأمر بالنسبة لزميله البديل مبابي، وهذا ما حصل، نيمار فقد محا كل سلبياته خلال شوط المباراة الأول بكرة “صعبة جداً” مهدها لمواطنه ماركينوس مسجلاً الهدف الأول، أما الثاني فكان قصّة مدروسة بينهما بتمريرة وقف دفاع أتالانتا “المرهق” عاجزاً أمام خفّة مبابي وشوبو موتينغ “البديلين”، ليطيح بفارس الفقراء أرضاً ويعلن عبور أغنياء فرنسا بواقعية ومنطقية معطيات المباراة التي استحقّ باريس الفوز بها بفعل غاسبيريني الذي خانته شجاعته أمام فريق كامل ومدجج.
أتالانتا خرج وأحزن معظم الجماهير العاشقة، لكن لجمالية البطولة فإن تأهل باريس ومشاهدة نيمار ومبابي لمباراة أخرى على الأقل أكثر واقعية وقوّة لبطولة دوري أبطال أوروبا.
اقرأ/ي أيضاً:
رسالة إلى زيدان.. الثقة تجرح في بعض الأحيان
مانشستر سيتي – ريال مدريد.. منطقة الضغط ولعبة التحولات والمساحات