أعادت الشرطة البريطانية فتح التحقيق اليوم في اغتيال رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي، والذي تم إطلاق النار عليه في أحد شوارع لندن، وذلك بعد مرور 30 عاماً على جريمة اغتياله.
ولد ناجي العلي عام 1937 في قرية الشجرة الواقعة بين طبريا والناصرة، بعد احتلال إسرائيل لفلسطين هاجر، مع أهله عام 1948 إلى جنوب لبنان وعاش في مخيم عين الحلوة، ثم هُجّر من هناك وهو في العاشرة، ومنذ ذلك الحين لم يعرف الاستقرار أبدا، فبعد أن مكث مع أسرته في مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان نمى وعيه السياسي، ونتيجة مشاركته في المظاهرات ونشاطه السياسي، اعتقلته القوات الإسرائيلية وهو صبي لنشاطاته المعادية للاحتلال،. وكذلك قام الجيش اللبناني باعتقاله أكثر من مرة فقضى أغلب وقته في زنزانته يرسم على جدرانها.
وعلى جدران زنزانته تطورت موهبته في التعبير عن طريق الرسم . بعد خروجه من السجن التحق بمعهد الفنون اللبناني، وبقي حتى الوقت الدي لم يعد فيه قادراً على تحمل تكاليف الدراسة.
نقل ناجي العلي تجربته على جدران الزنزانة إلى جدران مخيم الحلوة، فشاهد الصحفي غسان كنفاني خلال زيارة للمخيم بعض رسومه، ونشر أحدها في العدد 88 من مجلة “الحرية” في 25 سبتمبر/أيلول 1961 لتبدأ رحلة ناجي ورفيق دربه “حنظلة” على صفحات الجرائد.
في العام 1963انتقل إلى الكويت و عمل هنال على مدى ثلاثة عشر عاماً لعدد من الصحف. عاد بعدها إلى بيروت ليعمل في جريدة السفير، و شهد الحرب الأهلية اللبنانية و الغزو الإسرائيلي عام 1982.
عاد ثانية إلى الكويت ليعمل في جريدة القبس الكويتية، ولكنه غادرها عام 1985 إلى لندن ليعمل في جريدة القبس الدولية بسبب الكثير من المضايقات المتعلقة بالرقابة.
عن اغتياله
في 22 يوليو/تموز 1987، تعرض للإغتيال بإطلاق النار عليه في عنقه من الخلف، عندما كان متوجهأ إلى مكاتب الصحيفة في غرب لندن و دخل على إثرها في غيبوبة توفي بعدها بخمسة أسابيع، ولم تكشف ملابسات اغتياله حتى الآن.
ويعد الشهيد ناجي العلي من أشهر وأعظم رسامي الكاريكاتير السياسي العرب على الإطلاق، و الذي ما تزال أعماله حاضرة و مؤثرة في الشارع الفلسطيني و العربي. اشتهر بشخصية حنظلة التي تمثل طفلاً فلسطيناً غالباً ما يدير ظهره إلى الجمهور في اللوحة، و يعقد يديه خلف ظهره. وقد نالت شخصية حنظلة الكثير من الإعجاب و التعاطف بين الجماهير العربية عامة و الفلسطينية خاصة، و أصحبت بمثابة أيقونة تمثل النضال والصمود الفلسطيني، و تميزت رسومات العلي أيضاً بجرأتها الشديدة، والنقد اللاذع للأوضاع الفلسطينية والعربية وملامسة هموم الناس و توجهات الشارع العربي وطال نقده ليس فقط العدو الإسرائيلي، بل الطبقة السياسية العربية ومن ضمنها أيضاً منظمة التحريرالفلسطينية، وقد كان مدركاً لخطورة ذلك، وخصوصاً بعد تعرضه عدة مرات للتهديد قبل اغتياله. لذلك فقد طالت أصابع الإتهام جهات عدة باغتياله، ولم تتحدد بشكل قاطع الجهة المسؤولة, مع أن الشكوك دوماً كانت تحوم حول الموسادالإسرتئيلي إلا أن الكثيرين اتهموا أيضاً منظمة التحرير التي نفت الاتهام بشكل قاطع، وأيضاً اتهموا بعض الأنظمة العربية القمعية و الرجعية التي طالها بانتقاده الحاد.
و أثناء التحقيقات في القضية اعتقل شاب فلسطيني، وسجن لاحقاً بتهمة حيازة أسلحة ومتفجرات. لكن التحقيق تعقد كثيراً بعد أن ادعى الطالب أنه كان يعمل لصالح كل من منظمة التحرير الفلسطينية والاستخبارات الإسرائيلية، الموساد.
و الأن و بعد ثلاثة عقود تعيد الشرطة البريطانية فتح هذا الملف فقد طلبت قيادة مكافحة الإرهاب من أي شخص بالتقدم بما لديه معلومات حول المسلح ورجل ثان شوهد لاحقا يبتعد بسيارته عن المكان.
ووصف القاتل المشتبه به بأن مظهره يدل على أنه من الشرق الأوسط وعمره نحو خمسة وعشرين عاما. وتبع العلي لمدة أربعين ثانية قبل أن يطلق النار عليه. وقد نشرت الشرطة رسماً تقريبياً للمتشبه به مع مراعاة تغير شكله خلال هذه المدة.
وقال رئيس قيادة مكافحة الإرهاب في شرطة العاصمة البريطانية دين هايدون، والذي يشرف على القضية إن الشرطة “اتبعت عددا من خيوط التحقيق التي لم تقدنا إلى التعرف على هوية الرجلين”.
وأضاف “إن الكثير يمكن أن يتغير في ثلاثين عاماً.. فالولاءات تتغير والأناس الذين لم يكونوا راغبين في الحديث في ذلك الوقت ربما يكونون مستعدين الآن للتقدم بمعلومات حاسمة.
عن حنظلة
عندما سئل عن حنظلة أجاب ناجي العلي :
“ولد حنظلة في العاشرة في عمره وسيظل دائما في العاشرة من عمره، ففي تلك السن غادر فلسطين وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون بعد في العاشرة ثم يبدأ في الكبر، فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء، كما هو فقدان الوطن استثناء. وأما عن سبب تكتيف يديه فيقول ناجي العلي: كتفته بعد حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة، وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأمريكية في المنطقة، فهو ثائر وليس مطيع”
وعندما سُئل عن موعد رؤية وجه حنظلة أجاب: “عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته.”
“لست مهرجاً… ولست شاعر قبيلة. إنني أطرد عن قلبي مهمة لا تلبث أن تعود، ولكنها تكفي لتمنحني مبرراً لأن أحيا… أنا متهم بالانحياز، وهي تهمة لا أنفيها. أنا لست محايد، أنا منحاز لمن هم ‘تحت’ الذين يرزحون تحت نير الأكاذيب، وأطنان التضليلات… وصخور القهر والنهب وأحجار السجون والمعتقلات.”
و لناجي العلي أربعون ألف رسم كريكاتوري، قام ابنه خالد بجمعها في عدة مجلدات و طبعها وقد ترجمت إلى الإنجليزية و الفرنسية و لغات أخرى.
وقد نال ناجي العلي الكثير من الجوائز و الأوسمة بينها الجائزة الأولى في معرضي الكاريكاتير للفنانين العرب في دمشق عامي 1979 و1980، وصنفته صحيفة يابانية أحد أشهر عشرة رسامين للكاريكاتير في العالم.