يجلس محمد في العتمة على حافة تمثال بساحة ضيقة مطلة على شارع “كولن شتراسي” وسط مدينة بون وبيده كوب بلاستيكي من القهوة ولا شيء يدور بخلده غير انتظار وقت الصلاة بمسجد محاذي للشارع.
دأب محمد القادم من الجزائر منذ عام 2015 على التردد على المسجد كل يوم لأداء الصلاة كما حرص طيلة شهر رمضان على حضور صلاة التراويح مع باقي رفاقه من مهاجري دول شمال افريقيا.
ليس هناك ما يدعو محمد الى التفاؤل بمستقبله في ألمانيا بعد رفض طلب لجوئه لكنه ومثل باقي العشرات من المهاجرين الأفارقة الذين تقطعت بهم السبل في الساحة، فإنه يبدي ارتياحاً نفسياً عند التردد على المسجد.
يقول محمد لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) “هنا إذا أضعت دينك ضاع كل شيء، يمكن للمرء أن ينزلق بسهولة الى متاهات خطيرة. لكن الصلاة تشكل حزاماً صحياً”.
عمل محمد لبضعة أشهر في مطعم دون عقد لكن تم التخلي عن خدماته لاحقاً بعد أن فشل في تسوية وضعية إقامته ولا يملك في الوقت الحاضر أفقاً واضحاً لمستقبله.
ومثل محمد يجد الآلاف من المهاجرين المنحدرين من دول شمال افريقيا أنفسهم في مفترق طرق اليوم بعد رفض طلبات لجوئهم بنسبة تناهز 90 بالمئة، ولا يتسنى للسلطات الألمانية في الغالب ترحيل هؤلاء لأنهم لا يملكون أوراق ثبوتية.
ويتواجد المهاجرون الجزائريون المقيمون على غير الصيغ القانونية بألمانيا على لائحة الدول العشرين الأولى الذين يتعين عليهم المغادرة.
وتخوض في هذه الأثناء الحكومة الألمانية مشاورات من أجل تقنين مسألة تصنيف دول شمال افريقيا كجهات آمنة ما يسمح رسمياً بوضع حد لقبول مثل تلك الطلبات مع أن “حزب الخضر” المشارك في الائتلاف الحكومي لا يزال يعترض على هذه الخطوة.
ويمكن للزائر أن يقف على مفارقة في المدينة الواقعة على نهر الراين حيث خصصت مؤسسة “دوتشه فيله” الإعلامية مؤتمرها السنوي لمناقشة “اللامساواة العالمية” في مجالات مختلفة، ولا سيما في قطاع الإعلام والثورة الرقمية وتدفق الأخبار.
وفي نظر الكثير من ضيوف المؤتمر الأجانب ، فإن النقاش يتعارض مع ما يشغل حكومات المنطقة الأورو متوسطية اليوم بشأن غياب المساواة حول مبدأ حرية التنقل وتقييد الحق في الإقامة ولم شمل الأسر المهاجرة.
وعلى العكس من ذلك ، فإن ألمانيا ودول أخرى غربية تتجه أكثر فـأكثر الى التخلي عن سياسة الأبواب المفتوحة ، وتبني خططاً أكثر تشدداً في قوانين الهجرة واللجوء، مع صعود أكبر للأحزاب اليمينية وفي مقدمتها حزب “البديل من أجل ألمانيا” الشعبوي.
يتابع محمد قائلاً “طلبت السلطات الألمانية مني التعاون من أجل العودة إلى الجزائر، لكن لا يمكنني العودة ليس هناك أي مستقبل في الوطن، الفساد والمحسوبية دفعا الآلاف من الشباب الى المغادرة”.
وعلى الرغم من الصعوبات التي يواجهها في ألمانيا ، فإن محمد لا يبدي ندماً على مغادرته للجزائر ويضيف قائلاً “أشعر بالقلق لأن الوقت يمر وليست هناك رؤية واضحة. لكن حتى لو عاد الزمن الى الوراء فإني سأسلك نفس الطريق”.
ويعد محمد أكثر حظاً حتى الآن لأن بعض المهاجرين الذين قدموا الى ألمانيا بشكل قانوني من أجل الدراسة انتهى بهم المطاف على رحلات العودة الى دولهم بعد أن استنفذوا الحق في الإقامة.
ويوضح التونسي خالد كحولي الذي يدرس الصحافة في برلين لـ(د.ب. أ) :”يأتي بعض الطلبة إلى ألمانيا ويستنزفون عائلاتهم مالياً، وأول ما يفكرون به عند الوصول هو كيفية البقاء في ألمانيا دون أن يجتهدوا في الدراسة”.
ويضيف كحولي “قدم صديقي حسام من مدينة بنزرت في تونس، أهمل دراسته في العام الأول ، وعند محاولته تجديد إقامته قوبل طلبه بالرفض ثم انتهى به الأمر مرحلاً الى تونس”.
وتجد خطط الترحيل أكثر تعميماً في المقاطعات الألمانية لا سيما للعناصر التي يشتبه بخطورتها على الأمن، ويبدو أن حكومات دول جنوب المتوسط أصبحت أكثر تجاوبا مع هذه السياسة في مقابل حوافز اقتصادية وأمنية ومالية تقدمها برلين لتعزيز فرص إعادة ادماج المرحلين.
المصدر: د. ب. أ
اقرأ أيضاً: