نشأت فكرة تشكيل فريق من المتطوعين السوريين في ألمانيا، بعد كارثة فيضانات ألمانيا الأخيرة. المشاركون في الفريق حزموا أمتعتهم للمساعدة في ميدان الكارثة التي حدثت في منتصف تموز/ يوليو، والتي خلفت خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات في مدن عديدة جنوب غرب ألمانيا.
يصل المتطوعون السوريون من جميع أنحاء ألمانيا إلى المناطق المتضررة خصوصا وادي آرتال (Ahrtal) في مقاطعة راين لاند بفالتز (Rheinland-Pfalz) المتضرر بشكل كبير من الكارثة. إضافة إلى المناطق المتضررة في مقاطعة نوردراين فيستفالن (Nordrhein-Westfalen) وتحديدا مدينة هاغن (Hagen).
يقول المتطوعون بأنهم قرروا المساعدة، لأنهم يعرفون جيدا وجع خسارة كل شيء، فقد عاشوا ذلك سابقا خلال الحرب في سوريا التي أفقدتهم أحبتهم ودمرت منازلهم. كما أنهم يريدون رد الجميل للبلاد التي عبروا إليها يوما لاجئين من خسارات الحرب في سوريا
فريق المتطوعون السوريون نشأ عن طريق مبادرة لشباب سوريين: بركات عبيد (34 عاما)، أنس عقاد (28 عاما)، وفارس اللحام (25 عاما). ينشر المؤسسون نداءات المبادرة على صفحات التواصل الاجتماعي وغرف الدردشة على الواتس أب. كما ينظمون وصول المجموعات المنقذة من خلال مجموعة على الفيسبوك ويتحملون تكاليف وصولهم ومغادرتهم بأنفسهم. غالبية منظمي الفريق، كانوا قد وصلوا إلى ألمانيا بعد عام 2015. على مجموعة الفيسبوك يكتب بعض سكان المناطق المتضررة تعليقاتهم، والتي تصف كيف يعطي فريق المتطوعين السوريين الأمل لضحايا الفيضانات المدمرة. والذين هم بأمس الحاجة للمساعدة.
صحيفة أبواب استضافت أحد مؤسسي المبادرة بركات عبيد، للتحدث عن نشأة المبادرة وأهميتها وردود الأفعال حولها
كيف نشأت فكرة المبادرة؟
بركات: تأثرت كثيرا بالصور التي وصلت للفيضانات جنوب غرب ألمانيا، والأخبار عن مأساة الناس الذين خسروا كل شيء هناك. لكن ذلك لم يكن كافيا. فنحن نعيش في هذه البلاد منذ سنين، وأصبحت قضاياها وهمومها جزء من القضايا التي تمسنا، إنها مأساتنا جميعا. ولذا قررت كتابة دعوة على صفحتي الخاصة على الفيسبوك للمساعدة. توجهت إلى السوريين الذين وصلوا بأعداد كبيرة عام 2015 إلى ألمانيا، ودعوتهم كجزء من هذه البلد لمد يد العون لأخوتهم في البلاد التي لجأنا إليها من الحرب.
كانت هناك العديد من ردود الأفعال الإيجابية والمتحمسة للفكرة. ثم أنشأنا أنا وأنس العقاد وفارس اللحام مجموعة على الفيسبوك إضافة لغرف دردشة على الواتس أب لتسجيل المتطوعين وتنظيمهم والتواصل فيما بينهم للوصول إلى المناطق المتضررة وإنجاز مهمة المساعدة في البناء. من هنا بدأت الفكرة تكبر وتكبر حتى وصلنا إلى هذا الفريق المنظم.
كيف نظمتم أنفسكم؟
بركات: من خلال نشر المجموعة بين السوريين، بدأنا بنشر أخبار الفيضانات والصور التي تصلنا عن الضحايا والدمار، وترجمة مقالات الاستغاثة، ونشر نداءات للمساعدة. ثم قمنا بتحديد المجالات والمهارات اللازمة. بدأنا فيما بعد بزيارات ميدانية للمدن ومعرفة الاحتياجات.
وصل عدد أعضاء المجموعة إلى 4000 عضو على الفيسبوك، المئات منهم يساعدون في مدن عديدة. أغلب المساعدات تقدم في وادي آرتال (Ahrtal) في مقاطعة راين لاند بفالتز(Rheinland-Pfalz) إضافة إلى المناطق المتضررة في مقاطعة نوردراين فيستفالن (Nordrhein-Westfalen) وتحديدا مدينة هاغن (Hagen).
كيف كان المشهد في المناطق المتضررة؟
مؤلما جدا، حين وصلنا المكان رأينا بأعيننا آلام الخسارة على وجوه الأهالي. من كبار السن إلى الأطفال، كانت الناس تبكي بحرقة. مع كثرة الصور التي يشاهدها الناس في الإعلام عن الكارثة، لكن الأوجاع أكبر. فمع كل بضعة خطوة في المكان، هناك قصص عن عوائل، البعض منها خسر الأحبة. والبعض الآخر قد خسر جنى عمر بأكمله. نحن نتحدث عن مناطق قد تدمرت بنسبة ٧٠% على الأقل، وهذا يعني آلاف من القصص الموجعة.
اقرأ/ي أيضا: ضحايا فيضانات ألمانيا: ارتفاع حصيلة القتلى والبحث مستمر عن مئات المفقودين
صف لي ردود الأفعال من المتضررين على المبادرة؟
بركات: عندما بدأنا بالمساعدة، بدأت تتوالى إلى مسمعنا المشاعر الإيجابية التي تنتاب الأهالي. وخاصة حين يعرفون السبب الذي حملنا للقدوم والمساعدة. البعض بكى مجددا!. لكن الدموع هذه المرة لم تكن أوجاعا، بل تأثرا بمحبتنا وحرصنا على عودة الناس إلى حياتهم الآمنة. وصلتنا ردود أفعال جميلة جدا! سنحملها معنا في الذاكرة. إنها لحظات إنسانية لا توصف، عندما يقول لك أحدهم وأنت تمسح الطين عن بيته المدمر: “لقد مسحتم دموعنا، ومنحتمونا الأمل والطمأنينة”!.
تحدث لي عن مواقف أثرت بك شخصيا؟
بركات: أكثر المواقف التي أثرت بي شخصيا هي القصة روتها لي سيدة ألمانية (93) عاما. تلك السيدة كانت تسكن وحيدة، مقابل مركز ومأوى لذوي الاحتياجات الخاصة. لقد غرق المأوى بالكامل، أما هي فبقيت تسمع صراخ الضحايا ليلا دون قدرتها على إنقاذهم بأي طريقة!. تعاني هذه السيدة اليوم من صدمتها التي سببتها تلك الحادثة وتتألم عند تذكرها.
ما الذي يميز المتطوعين السوريين؟
بركات: خبرة العمل الميداني، والقوة في ميدان العمل، كثيرون منا عايشوا الحرب وانتشلوا جثثا وأحياء من تحت الأنقاض في سوريا. يميزهم الشجاعة في مواجهة الكوارث، والتي يتصف فيها السوريون الذين اختبروا العمل بين الركام ومواجهة القصف. لقد كنا نعلم خطورة الأماكن التي ذهبنا إليها والتي كانت رغم توقف الأمطار مازالت مهددة بكوارث وعواصف طبيعية. لم يثنينا الخوف ذهبنا إلى الميدان لتقديم المساعدة جنبا إلى جنب مع فرق الإنقاذ الحكومية
ماذا يعني لكم المشاركة في تقديم المساعدة الإنسانية في ألمانيا؟
بركات: تعني لنا المشاركة الكثير، الكثير من المحبة ورد الجميل للبلاد التي احتضنتنا، حين أتيت إلى ألمانيا عام 2012 كنت كما الكثيرين، الذين أتوا هربا إلى حياة جديدة، بحثا عن الأمان، وقد حصلت عليه. لذا يعنيني أن يبقى هذا البلد سالما، وأن يتجاوز المحن. يعنينا أن نشارك الناس هنا أوجاعهم كما أفراحهم، أن نترك بصمة جميلة في أذهان الناس، فكرة تثمر من صلب الميدان ومن بيوت الناس. أن نستمع إلى القصص ونشارك في مسح دموع الناس. أقصى ما نود فعله هو الاستمرار في تقديم المساعدة ليقف المتضررون من الدمار على أقدامهم من جديد. وأن نشارك ولو بجزء بسيط عن تعويض خسارتهم . يعنينا أن نقدم لهم ربما الأمان الذي حصلنا عليه حينما لجأنا إلى هذه البلاد.
اقرأ/ي أيضا: المرشح لخلافة ميركل يوضح سبب ضحكه خلال زيارة لمناطق الفيضانات
ماذا يتمنى الفريق اليوم للمتضررين؟
بركات: يتمنى لهم أن يعودوا إلى الحياة من جديد كما فعلنا نحن، لقد ذكرتنا الكارثة بما حصل في سوريا، لقد شاهدنا عوائل بأكملها قد فقدت في الفيضانات، الكثير من الناجين من الموت لم ينجوا من خسارة كل ممتلكاتهم وجنى عمرهم. أتمنى أن ينسوا ما حصل لهم، وأن ينظروا إلى المستقبل رغم قسوة الحاضر.
.
بركات عبيد لاجئ سوري (34 عاما) درس كلية الشريعة الإسلامية في جامعة دمشق، بسبب اعتقاله من قبل المخابرات الجوية السورية وملاحقته داخل الجامعة. وبعد دمار حي التضامن الذي كان يسكن به بركات، قرر مغادرة سوريا وذلك في نهاية عام 2012 إلى ألمانيا.
لم يستطع بركات الوصول إلى التخرج الجامعي في سوريا لكنه اليوم حاليا يحضر نفسه لدراسة اللاهوت الإسلامي في جامعة هايدلبيرغ. كما أنه عمل لسنوات في ألمانيا.
انطلق بركات إلى ميدان الكارثة مفضلا العمل في إزالة الركام على أشياء مهمة في تحصيله وحياته الشخصية، بحسب وصفه. بركات يؤكد أنه ليس الوحيد الذي فعل ذلك، بل هناك الكثيرون المتطوعين الذين فعلوا ذلك، بهدف تلبية الواجب الإنساني، ومساعدة الناس في المناطق المنكوبة.
يمكنكم مشاركة المتطوعين السوريين عملهم الإنساني من خلال التواصل مع مجموعتهم على الفيسبوك:
Syrische Freiwillige in Deutschland – المتطوعون السوريون في ألمانيا
منظمي مجموعة المتطوعين السوريين في ألمانيا:
- بركات عبيد
- أنس العقاد
- ماهر عبيد
- فارس اللحام
- عمار دللول
- زكريا سينو