بالرغم من غرابة الحديث عن مجالات التقارب الاقتصادي بين ألمانيا وسوريا في ظل الوضع السياسي الحالي، إلا أن التفكير بحصة ألمانيا بكعكة إعادة إعمار سوريا “المغرية” بدأت تداعب بعض المحللين الاقتصاديين “البراغماتيين” في ألمانيا سواء بقى بشار الأسد على سدة الحكم في سوريا أم لم يبقى.
فقد أوردت “دويتشه فيله عربي” الألمانية في قسم “سياسة واقتصاد” على موقعها الالكتروني على شبكة الانترنت في مقال مطوّل بعنوان “سوريا وفرص الشركات الألمانية في إعادة الاعمار المقبلة؟” احتمالات التعاون المستقبلي بين البلدين، حتى في حال بقاء النظام السوري على كرسي الحكم.
ومنطلقاً من إقامة معرض دمشق الدولي منذ مدة قصيرة وبعد انقطاع دام خمس سنوات، يستهل المقال تحليله بالقول: “ليس سراً في عالم الاقتصاد أن عودة الشركات ورجال الأعمال إلى بلد يعاني ويلات الحرب منذ سنوات يعني من جملة ما يعنيه بداية نهاية الأزمة. وليس سراً ايضا أن أول من يدري بقرب نهاية الحروب هم رجال الأعمال الذي تربطهم بصناع القرار السياسي مصالح متبادلة تؤهلهم للحصول على أسرار الحرب والسلام بهدف اقتناص الفرص في الوقت المناسب”. وكأن كاتب المقال يريد أن يقول: حسناً، هناك الكثير من الفرص في مشاريع إعادة إعمار سوريا فلنقتنصها. ودعونا ننسى قليلاً ما حصل ويحصل، ونضع جانباً الشهداء والقتل والخراب والنزوح والقهر، ونتحدث قليلاً عن المال”.
ويستفيض المقال بشرح كيف من الممكن للمصالح الاقتصادية أن تصلح ما أفسدته السياسة، فيتبين لك وأنت تمضي في قراءة المقال الذي يشرح دون مواربة، أنه من الممكن لرأس المال أن يضع يده بيد الشيطان نفسه، وأن كل شيء في طبيعة العلاقات بين ألمانيا والنظام السوري ممكن أن يتغير، حتى ولو كان على نحو بطيء. تشعر وكأن عنوان المقال كان يفترض أن يكون :”كيف يكشّر رأس المال بخفّة عن أنيابه الناعمة والحادة”.
ويذكر المقال أن أغلب الشركات المشاركة في المعرض والتي فاقت 1500 مشارك، بالإضافة إلى عشرات الشركات العارضة أغلبها بالطبع من الدول الداعمة للنظام السوري وعلى رأسها روسيا وإيران والصين، بالإضافة إلى الدول التي لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا، إلا أن المقال يذكر أن شركات من دول غربية وعربية كانت قد فرضت في وقت سابق عقوبات اقتصادية على النظام السوري، قد شاركت بالمعرض على صعيد غير رسمي، ومن خلال بعث مندوبين لها لحضور المعرض. وفي مقدمة هذه الدول ألمانيا وإيطاليا واليونان والتشيك. وقد استخدم كاتب المقال جملة “ولعل الملفت هنا عدم صدور تحفظات على حضور شركات غربية سواء من الجانب السوري أو من قبل الحكومات الأوروبية“. حسب ما ورد في المقال. وذلك بعد كل ما ادعته هذه الدول من قطيعة وعزل للنظام السوري، لا بل أن ألمانيا كانت من الدول الضاغطة لتنفيذ تلك القطيعة والعزل. لذلك كان حرياً بكاتب المقال استخدام عبارة “ولعل من المذهل…” أو “ولعل من الصاعق…” وربما الأصح بالنسبة للكثيرين حسب ما أعتقد “ولعل من المسبب لجلطة دماغية…”. لكن الكاتب اكتفى بصفة “ملفت”. فعلى ما يبدو، عندما يلعب الكبار، لا أحد يتعب نفسه لإفهامنا، نحن المساكين البسطاء، ماذا يحدث حولنا.
ويلمّح المقال أنه إن توصل المجتمع الدولي لاتفاق مع النظام السوري لوقف الحرب، وإن عمل هذا الأخير على إرساء دولة علمانية وقضى على الفساد والبيروقراطية، فلا بأس حينها بإعادة العلاقات الإقتصادية معه وكسب بعض المال، أو كثيره على ما يبدو، من المشاركة بإعادة إعمار سوريا. فتكلفة إعادة إعمار سوريا تقدر ب 200 مليار دولار حسب صندوق النقد الدولي. بل ويذهب كاتب المقال إلى أبعد من ذلك بقوله:” غير أن الوضع في الوقت الحاضر لايمنع من القيام بمشاريع متفرقة يمكن تصنيفها في خانة إعادة الإعمار اللاحقة، لاسيما في مناطق بعيدة عن الصراعات المسلحة كحمص وحماه وطرطوس واللاذقية. من الأسئلة المطروحة هنا، أي دور لألمانيا في المشاريع المطروحة حالياً وفي مشروع إعادة الإعمار لاحقاً؟“. وكان بمقدوره القول ببساطة: إن لم تكن كعكة العرس الرئيسية جاهزة، فدعونا نبدأ بالمقبلات.
كلنا أمل بأن مقال دويتشه فيله لا يعكس وجهة نظر الحكومة الألمانية من ناحية إمكانية التعاون الإقتصادي مع نظام الأسد بهدف الإستفادة من امتيازات مجزية لإعادة إعمار سوريا. ونأمل بتوضيح رسمي كيف تمكنت بعض الشركات الألمانية والأوروبية من المشاركة في معرض دمشق الدولي الأخير حسب ماورد في مقال دويتشه فيله.
كان حرياً بدويتشة فيله عربي أن تتكرم علينا وترجيء نشر هكذا تحليل، على الأقل لحين وضوح ما سيحدث على الصعيد السياسي في سوريا، بالرغم من أننا أمسينا نستشعره خائبين، لعلها كانت بذلك قد منحت بعض الوقت للأمهات الثكالى، والأرامل والحبيبات المكلومات، والآباء والأخوة والأخوات والأبناء، أن يحتفظوا قليلاً بروائح أحبتهم الموتى، قبل أن تتحول جميعها إلى هباء.
وأحب أن ألفت نظر الكاتب البراغماتي أكثر من اللزوم إلى أن أحداً ما يجلس في حي المهاجرين في دمشق، ويبتسم برضا وهو يقرأ المقال. وألفت انتباهه أيضاً إلى أن مدينة دير الزور لا تقع في “جنوب شرق سوريا” كما ورد في المقال. يكفي أن معظم مدن البلاد قد سوّيت بالأرض، فعلى الأقل اتركوها مكانها.
لقراءة مقال دويتشه فيله، يرجى الضغط هنا