د. نهى سالم الجعفري*
سرطان الثدي هو أكثر أنواع السرطانات شيوعاً بين النساء، والإحصائيات والأرقام لعدد النساء المصابة به صادمة جداً، رغم تطور أساليب العلاج وتطوير أجهزة فحص ومراقبة حديثة، ومحاولات التوعية للوقاية قبل الإصابة بالمرض، ولكنه مازال يحتلّ المرتبة الأولى بالإصابة.
وهو كذلك أكثر السرطانات انتشاراً في العالم، حيث تصاب سنوياً امرأة من بين كل ثمان نساء، وفي الأعوام الأخيرة ازدادت نسبة انتشاره بشكل ملحوظ، نتيجة قلة الوعي الناجمة عن الحروب، الأهمال، والوضع الاقتصادي المتدني بشكل ملحوظ خاصة في الدول العربية، ولعدم وجود تأمين صحي مجاني يؤمن للمريضة كافة الفحوصات والعلاجات اللازمة.
تعدّ الإصابة بسرطان الثدي من أصعب المواقف التي قد تواجه المرأة، وصدمة تشخيص المرض قد تؤدي إلى اضطرابات نفسية شديدة تؤثر على الصحة النفسية الجسمانية للمريضة، مما يسبب تفاقم حالتها وقد تصل لدرجة الامتناع الكلي عن تناول الطعام مما يضعف مقاومتها، أو تصل إلى العزلة التامة وحتى الوقوع في مستويات عالية من الاكتئاب والابتعاد عن الأهل والأصدقاء.
لذلك فإن للعلاج النفسي أهمية تعادل أهمية العلاج الدوائي، وهذا للأسف غير متوفر في معظم المستشفيات في دولنا العربية. وبرأيي لا يكفي توفير المساعدة النفسية للمريضة فحسب وإنما لزوجها وأهلها وأولادها وأصدقائها المقربين أيضاً، حتى يستطيع الجميع تقبّل المرض ومساعدة المريضة على تخطي ما عليها خوضه من ألم نفسي وعلاج مطول، ويعطيها دعماً نفسياً أكبر، فالمرض لا يؤثر عليها فحسب وإنما تؤثر على العائلة ككل.
وقد أثبتت الدراسات أن المريضات اللواتي يتلقين مساعدة نفسية كن الأقدر على تخطي المرض، فكلما بدأنا برفع معنويات السيدة المصابة بشكل مبكر كلما كانت أكثر قدرة على تقبل المرض وبالتالي تقبل العلاج، وما يحتويه هذا العلاج من تغيرات نفسية وجسدية مصاحبة.
بصراحة أكثر، يجب أن يكون الدعم النفسي لزوج المريضة مساوياً تماماً للذي تحظى به المريضة نفسها، لما للمرض من تأثير سلبي على الزوج وصحته النفسية، وما يعانيه من شعور بالضيق والتوتر وعجزه عن مساعدة زوجته المصابة. فإما أن يصبح الزوج سلبياً أو تصل العلاقة الزوجية لحد الهجر التام ومعاملة الزوجة بداعي الشفقة فقط. ومن خلال ممارستي المهنية وصلت بعض الحالات لدرجة إنتهاء العلاقة الزوجية تماماً، خاصة إذا كانت الإصابة بالسرطان في مراحل متقدمة تصل للاستئصال. أزواج كثيرون لم يتقبلوا الحالة النفسية والجسدية التي وصلت لها زوجاتهم، ويؤدي هذا الموقف السلبي للزوج إلى تدهور الحالة العامة للمريضة، وتأخير شفائها.
ورغم أن استئصال الثدي يعتبر بالنسبة للمرأة استئصالاً لجزء من أنوثتها مع ما يتبع ذلك من معاناة، إلا أن هجر الزوج ربما يكون من أكثر الرضوض التي تعاني منها المصابة، عدا عن خوفها الدائم من الموت وفراق عائلتها. ذكرت إحدى مريضاتي في حديثها عن زوجها وعلاقتهما الزوجية أن هجر زوجها لها كان أصعب عليها من الإصابة بالسرطان نفسه. لذلك فإن استمرار العلاقة الزوجية بشكل طبيعي، أو أقرب إلى الطبيعي، يعتبر الحجر الأساس في العلاج، فدعم الزوج وما يمدّ زوجته به من حب واهتمام وحنان، في وقت هي الأحوج لها، يساعد الزوجين على تخطي هذه المرحلة بنجاح.
لهذا أصبح التدريب المهني للطبيب المعالج، ومهارته في التعامل مع المريضة وزوجها وعائلتها عن طريق المشورة الخبيرة المختصة جزءًا لا يتجزأ من بروتوكول العلاج، بالإضافة إلى العلاج الطبي جنباً إلى جنب، مما يؤدي لتحسن الحالة العامة ومساعدة المريضة على تقبّل المرض والتعايش معه، والتأقلم مع التغيرات الجسمانية والنفسية المصاحبة له، ويجعلها أكثر قوة في مواجهته، وبالتالي تتغلب على الاكتئاب والخوف من المرض والعلاج، ويصبح لديها خبرة أكبر في التعايش مع المرض والرد على أسئلة الآخرين، دون الشعور بالألم والإحراج وغيرها من المشاعر السلبية.
وبينت دراسات أجريت على عدة مريضات بسرطان الثدي، أن المصابات بالإحباط والحالة النفسية السيئة هن الأقل شفاءً، بالمقارنة مع اللواتي يحافظن على حالة مزاجية جيدة ويفكرن بشكل إيجابي بآلية التعامل مع المرض وحل المشاكل بطريقة ذكية، فهؤلاء أسهل في تقبل العلاج واتباع توصيات الأطباء والنضال للشفاء. لذلك من الضروري اجتماع الدعم النفسي إلى جانب العلاج الدوائي.
د. نهى سالم الجعفري. طبيبة نسائية وولادة مقيمة في ألمانيا