بدأت الانتخابات الجديدة لاختيار البرلمان الأوروبي يوم الخميس 24.5. 2019، في هولندا وبريطانيا، وستتابع يومي السبت والأحد في باقي دول الاتحاد. ورغم الفوز الأولي غير المتوقع لحزب العمال الهولندي إلا أن هذه الانتخابات تترافق مع القلق من كونها ستفضي إلى تغيير البنية الديموغرافية السياسية للاتحاد الأوروبي.
تختلف هذه الانتخابات الأوروبية جذرياً عن ما سبقها بسبب المتنافسين السياسيين فيها، كمشاركة بريطانيا بهذه الانتخابات رغم قرار البريكسيت الذي مر عليه أكثر من عامين، وصعود اليمين المتطرف في عدة دول أوروبية، وامّحاء الصبغة الاشتراكية التوحدية الأوروبية ضمن هذا الاتحاد.
تأسس الاتحاد الأوروبي كما نعرفه اليوم عام ١٩٩٢ بتوقيع معاهدة ماستريخت، ولكن أسسه بدأت عام ١٩٥٧ بستة أعضاء هي ألمانيا الغربية، لوكسمبورغ، هولندا، بلجيكا، فرنسا وإيطاليا عبر الاتحاد الاقتصادي الذي تم توقيع معاهدته في روما. توسع الاتحاد الأوروبي مراراً عبر السنوات ليضم اليوم ٢٨ دولة.
ما الذي يميز الانتخابات الأوروبية الحالية عن سابقاتها؟
في الانتخابات السابقة كان الصراع السياسي بين جهتين؛ الاشتراكيين من جهة واتحاد أحزاب اليمين ويمين الوسط من جهة أخرى. وكانت الأحزاب المتطرفة اليسارية واليمينية طرفاً متفرجاً، لا تزيد حصتها عن ١-٣٪ من الأصوات.
عام ٢٠١٠ نجح فيكتور أوربان في الانتخابات الهنغارية وكان هذا المسمار الأول في سلم صعود اليمين المتطرف رويداً رويداً في أوروبا إلى السلطة.
ومع بدء الربيع العربي عام ٢٠١١، ومن ثمّ الموجات المتعاقبة من الهجرة واللجوء نحو أوروبا والتي انتهت تقريباً نهاية عام ٢٠١٧، والتبعات الديموغرافية والاقتصادية المرافقة، إضافةً إلى المشاكل التي بدأت مع الانهيار الاقتصادي عام ٢٠٠٩، ظهرت ردود فعل مختلفة في الدول الأوروبية؛ ففي إيطاليا نجح حزب النجوم الخمسة ولا ليغا اليمينيان المتطرفان في الانتخابات الأخيرة ليسيطروا تماماً على الحكومة الإيطالية، والتي قامت بتغيير جذري في سياساتها بعيداً عن الاتحاد الأوروبي.
في النمسا وبولندا والتشيك وسلوفاكيا وبلغاريا نجح اليمين المتطرف في السيطرة على البرلمانات والحكومات. في ألمانيا، نجح حزب البديل من أجل ألمانيا في أن يكون أكبر أحزاب المعارضة في البرلمان وأزاح في الفترة من نهاية ٢٠١٨ وبداية ٢٠١٩ الحزب الاشتراكي الديمقراطي عن المرتبة الثانية من حيث القوة السياسية.
أما في فرنسا، فكان نجاح ماكرون في الانتخابات الفرنسية الأخيرة السد المنيع الأخير ضد هذه الأحزاب حيث وصلت ماري لوبين إلى الجزء الأخير من الانتخابات مطيحةً أيضاً بمرشحي حزب اليمين الوسط وكذلك الحزب الاشتراكي بكل سهولة خلال الانتخابات. ولا ننسى أيضاً أن البريكسيت وتبعات خروج بريطانيا أدى لتبعات كثيرة ضمن الساحة السياسية الأوروبية.
إن صعود اليمين المتطرف بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، جعل تكتل هذه الأحزاب مع وجود الدعم الروسي الخفي عنصراً هاماً وفعالاً لتغيير الديموغرافية السياسية في البرلمان الأوروبي في هذه الانتخابات.
اليوم ليس هنالك معسكران متنافسان في الانتخابات، بل ثلاثة معسكرات أو حتى أربعة مع اعتبارنا أحزاب الخضر والأحزاب اليسارية ضمن هذه المعمعة السياسية.
ما الذي حدث؟ ما الذي سيمكن الأحزاب الاشتراكية من العودة إلى الساحة السياسية؟
قبل حوالي شهرين، نجح الحزب الاشتراكي في إسبانيا في الانتخابات المحلية. كان هذا أول ضوء مشرق للاشتراكيين في أوروبا منذ عدة سنوات. تبع ذلك تغيير في بعض سياسات الحزب الاشتراكي في ألمانيا، والذي يشكل مع الحزب الديمقراطي المسيحي (يمين) الحكومة الألمانية الحالية بقيادة أنغيلا ميركل. إن الضغط السياسي الحالي لمشاريع كالتقاعد للجميع، التأمين الصحي، وغيرها من المشاريع التي جعلت الحزب الاشتراكي الديمقراطي مشهوراً سابقاً، أدى لاستعادة هذا الحزب مكانته بين الناخبين الألمان.
فضيحة أيبيزا
الذي أدى برأيي لتغيير الدفة كاملةً وقلب موازين الأمور هو فضيحة أيبيزا (مدينة إسبانية على شواطئ مايوركا)، والتي كان بطلها هاينز كريستيان شتراخه، رئيس حزب التحرير سابقاً اليميني المتطرف، حيث وعد شتراخه الروس بتقديم تسهيلات استثماريه لهم في النمسا مقابل مبالغ مالية كبيرة لدعم حملته الانتخابية. هذه الفضيحة أدت لاستقالة شتراخه الذي كان حتى الفضيحة نائباً للمستشار النمساوي ورئيساً لحزب التحرير. تبع ذلك استقالة كل وزراء حزب التحرير من الحكومة النمساوية وسقوط الحكومة والدعوة إلى انتخابات مبكرة. كان لهذا تأثير الدومينو حيث بينت استطلاعات الرأي اليوم أن كل ١ من ٤ ناخبين لحزب البديل من أجل ألمانيا، سيقوم بالتصويت لحزب آخر. استطلاع آخر يرى أن أحزاب الخضر والأحزاب اليمينية (يمين الوسط) والاشتراكية، جميعها سيربح أكثر من ثلث الناخبين المتطرفين بسبب هذه الفضيحة التي عمت أوروبا وكذلك الفضائح المالية التي ضرب حزب البديل من أجل ألمانيا.
إضافةً لذلك فإن تأجيل التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ودخول الأحزاب البريطانية في الانتخابات الأوروبية مجدداً ومع وجود حنق شديد من الناخبين البريطانيين على ممثليهم وحكومتهم، التي لم تستطع خلال أكثر من عامين من المفاوضات أن تقنع أحداً بجدوى المفاوضات، ومن ثم استقالة رئيسة الوزراء البريطانية قد تدفع الكثير من الناخبين البريطانيين إلى حضن حزب العمال البريطاني المحسوب اشتراكياً ضمن التحالفات الأوروبية المختلفة.
ما الذي ينتظر أوروبا بعد هذه الانتخابات؟
من المؤكد أن وجه أوروبا الحالي سيتغير تماماً بعد هذه الانتخابات. وإن كان التغيير سيعود بالإيجابية على المهاجرين والأقليات في أوروبا أم لا، فهذا الأمر علينا أن نتابعه لاحقاً.