*رشا الخضراء
بعد معاناة طويلة عاشها اللاجئ ليصل إلى بلد اللجوء معتقداً أنه سيبدأ حياته الجديدة ويلقي خلف ظهره تلك التجربة القاسية فوجئ ببداية معاناة من نوع آخر.
باتت كلمة “أنا مكتئب” شائعة بين القادمين الجدد في دول المهجر، يتبادلون الحديث عنها سراً أو علانية، أسبابهم مختلفة ولكنها تتقاطع في نقاط عدة. ولربما كان ما يمر به هؤلاء الأشخاص ليس الكآبة المرضية وإنما هو حالة إحباط أو حزن. وسأستعرض فيما يلي العديد من الأسباب التي ساهمت في هذا الاكتئاب بعد الهجرة من خلال مشاهداتي واستطلاع آراء بعض السوريين من حولي.
لعل الصدمة الثقافية إحدى أهم الأسباب مع الاضطرار لمواجهة متغيرات كثيرة في مجالات متعددة وفي وقت واحد، في الوقت الذي لم يتعافَ فيه الشخص بعد من الرض النفسي بسبب ما حدث ويحدث في سوريا وفي رحلة اللجوء. وأولى هذه المتغيرات الاضطرار للعيش ضمن تجمعات تضم عائلات وأفراد من مختلف الجنسيات والخلفيات وانعدام الخصوصية، مما يؤدي لاندلاع شجارات على أتفه الأسباب.
الشعور بالضياع حيث يتساءل الفرد؛ من أين أبدأ وكيف أتخطى صعوبات اللغة وعدم إعطائها الاهتمام الكافي، فأدى عدم إتقانها بدوره إلى الإحباط لأنه يحدد قدرة الفرد على التواصل والانخراط في المجتمع المضيف.
عدا عن حقيقة أن على الجميع البدء من تحت الصفر لبناء حياة جديدة مهما كان قد تعب أو بنى طوال حياته ومهما كانت النجاحات والشهادات التي حصًلها في بلده، وهذا أمر يصعب تقبله من الجميع دون المرور بحالة من الحزن.
شعور الوحدة النابع من افتقاد بيئة حاضنة شبيهة ببيئته السابقة هو أحد الأسباب المهمة أيضاً لمشاعر الاكتئاب بعد الهجرة. وعدم القدرة على الانتماء لأي مجموعة أو مجتمع صغير يعوض الفرد عن العائلة، خاصة لمن جاء بمفرده تاركاً عائلته وراءه. لذلك سعى الكثير من السوريين إلى تكوين دائرة من المعارف العرب والسوريين من بيئات تشبه بيئتهم القديمة أو البيئة التي يفضلون التعامل معها بعد تغير رؤيتهم للحياة، وأصبحوا يحرصون على التجمع دورياً وحضور الحفلات والمنتديات، الأمر الذي ساعد العديد منهم على تخطي وطأة الشعور بالحنين.
يضاف لما سبق البيروقراطية وطول مدة الانتظار والمراحل البطيئة في العمل وهي من الأمور المرهقة والتي يضيق بها الألمان ذرعاً، فما بالك بالسوريين حديثي العهد بهذه الأمور.
ولا يمكن تجاهل تأثير طول فترة لم الشمل وتخلخل الأسر وتفرقها بغض النظر عن الأسباب والقلق على أفراد الأسرة الذين بقوا في البلاد. ويتفاقم القلق الذي يعتري السوريين مع تزايد الدعوات لعودتهم من قبل المتطرفين اليمينيين مما يزيد ضبابية المستقبل. ولا شك أن بعض الممارسات العنصرية ساهمت في زيادة الشعور بالكآبة مما أوصل المتعرضين للإساءة إلى الندم على القدوم.
يجدر بالذكر أن التغيرات التي يتوجب على الأفراد مواجهتها إضافةً إلى هول الرضّ النفسي المحمول معهم من بلدهم الأم، هو حمل كبير يحتاج الفرد للحديث عنه ضمن جماعات متخصصة في معالجة التعثرات النفسية بالتعاون مع مدربي الحياة (لايف كوتش) والأخصائيين النفسيين، وللأسف يصعب هذا الأمر في ألمانيا بسبب قلة الاخصائيين النفسيين الذين يتحدثون العربية وصعوبة الحصول على موعد لديهم. لهذا قامت بعض الجمعيات بمجهودات فردية لمساعدة ودعم الافراد نفسياً ولكن ظلت الحاجة أكبر من العرض.
يمكنكم هنا مشاهدة اثنين من الفيديوهات، أولهما يعرض استطلاعاً لآراء البعض عن أسباب الاكتئاب بعد الهجرة ومدى انتشارها بين اللاجئين، وجاء الفيديو الثاني تعقيباً على الأول وتحدث فيه مختصان لديهما خبرة بالتعامل مع هذه الحالات (لايف كوتش)، عن الحلول الممكنة لحالات الاحباط التي يعيشها الوافد الجديد.
*رشا الخضرا – إعلامية سورية مقيمة في ألمانيا
اقرأ أيضاً:
ذنبه مغفور.. فلا تخربي بيتك بيدك
المتهم الأول… المرأة: رأي السوريين في أسباب الطلاق
الخطوط الحمراء في مجتمعنا السوري، ثوابت أم متغيرات تابعة للبيئة والمجتمع؟