حضر حوالي 40 من الشبان الذين يطمحون للإمامة في ألمانيا أولى فصولهم الدراسية في الكلية الألمانية للإسلام في شمال غرب مدينة أوسنابروك، التي أطلقت في منتصف شهر حزيران/ يونيو برنامج تدريب مهني إسلامي باللغة الألمانية للأئمة المسلمين، والذي أطلق عليه اسم “إمام صنع في ألمانيا”.
الطلاب سيحضرون برنامجاً لتدريب الأئمة لمدة عامين بمساعدة حوالي 12000 كتاب تم استيرادها من مصر. برنامج “إمام صنع في ألمانيا” مفتوح لحاملي درجة البكالوريوس في العلوم الإسلامية أو ما يعادلها. يقدم البرنامج التدريس العملي في تلاوة آيات من القرآن، وتقنيات الوعظ، وممارسات العبادة والسياسة. يتم تمويل مركز التدريب الجديد جزئيًا من قبل الحكومة الفيدرالية، وكذلك السلطات المحلية في ولاية ساكسونيا السفلى.
لطالما رحبت الدولة الألمانية بتدريب لأئمة المسلمين معترف به رسمياً، حيث تحدثت المستشارة أنغيلا ميركل لأول مرة لصالح تدريب الأئمة المسلمين في ألمانيا في عام 2018، قائلة للبرلمان الألماني إن ذلك “سيجعلنا أكثر استقلالية وهذا ضروري للمستقبل”. رئيسة مجلس إدارة كلية الإسلام الألمانية إسناف بيغيتش، أشادت في تصريح لها لوكالة الأنباء الألمانية بالجامعة الإسلامية الجديدة من نوعها حسب وصفها، فجميع الدروس هي باللغة الألمانية، وتهدف إلى “عكس واقع حياة المسلمين في ألمانيا”.
“إمام صنع في ألمانيا”.. برنامج تدريبي مثير للجدل
ترافق برنامج تدريب الأئمة المسلمين في ألمانيا “إمام صنع في ألمانيا”، طويلاً مع مصطلح “الإسلام الألماني” والذي تردد في السنوات الأخيرة في مؤتمرات الإسلام في ألمانيا. لكن هذا التدريب المدعوم من الدولة الألمانية يواجه مشكلة أساسية بحسب البعض لأنه يتعارض مع مبدأ أن المجتمعات الدينية وحدها يحق لها تدريب قادتها.
مروة عبد الرزاق (45 عاماً)، خريجة كلية الشريعة الإسلامية من جامعة دمشق ولاجئة في ألمانيا منذ ستّة أعوام، عملت كمدرسة لمادة الديانة الإسلامية في إحدى مدارس العامة في دمشق. تقول مروة إن مصطلح”الإسلام الألماني” لا يمكن أن يوجد، وهو مستفز للمسلمين، لا يمكن أن يكون هناك بلد للديانات، المسيحية والإسلام واليهودية ديانات لا يمكن أن ترتبط بقومية أو شكل معين، تقول مروة: “لم أسمع بعمري عن المسيحية الألمانية، فلماذا يريدون أن يكون الإسلام ألمانياً”.
مروة تريد إتقان اللغة الألمانية، حتى تتمكن من تدريس القرآن باللغتين العربية والألمانية، وهي تؤكد على تعلم اللغة العربية” لغة القرآن”، لكنها تثمن الجهود المبذولة لتفسير القرآن بلغات أخرى ومنها الألمانية. تقول مروة: “من المهم لمن يريد تعلم الدين بشكل صحيح أن يقرأ القرآن بلغته الأصلية مع وجود التفاسير بلغته الأم”، وتكمل مروة متساءلة: “إذا كان المسلمون يأتون إلى البلدان العربية لتعلم تلاوة القرآن، فكيف نستطيع هنا تقبل أن يكون الدين بجنسية ألمانية”.
ثقافة البلد تؤثر على شكل التدين لا على جوهره
تهاني جمال طالبة جامعية (19 عاماً)، تدرس المعلوماتية، نشأت في ألمانيا. تتردد تهاني على دروس تحفيظ القرآن منذ صغرها في ألمانيا، وهي تتقن بعض آياته. تسافر تهاني إلى مصر، حيث تعيش عائلة والدتها خلال أشهر الإجازة، وتحرص أن تكون زيارة الجوامع جزءا من إجازتها.
تهاني تفضل أن تعيش نسخة إسلامية لا تشبه تلك التي عرفتها في بلد والدتها، ولا تحبذ تسميتها بالإسلام الألماني. تقول تهاني:”المسلمون يتكيفون عادة مع ثقافة البلاد التي عاشوها. هكذا فعل مسلمو أوروبا منذ مئات السنين، وحتماً يختلف الإسلام بنسخته حسب البلد، لكنه مجرد اختلاف ثقافي”.
اقرأ/ي أيضاً: لنجعل مساجدنا من بلّلور شفاف: حوار مع إمام مسجد “دار السلام” في برلين
تصف تهاني صعوبة أن يعيش المسلمون في بلدها الأصلي كما تعيش إسلامها في ألمانيا، فالآذان في البلدان الإسلامية يعتبر بصمة فارقة، لكنها نشأت في بلد لا آذان يرفع به، واعتادت على ذلك، وهي تعرف أوقات الصلاة من خلال التطبيق الرقمي على هاتفها، وتحب الآذان كثيراً لكنها لا تعتبر أن غيابه أمر غير مقبول.
تهاني تقارن ذلك بالمسيحيين من الجنسيات الأوربية في بلد والدتها والذين عرفتهم خلال زيارتها، وهم يعيشون في بلد مسلم بسبب عملهم، تقول تهاني : “لقد كانوا أيضا يعيشون بطريقة مختلفة عن الطريقة التي يعيشون بها في بلادهم الأصلية، لكن ذلك لايعني انه يوجد مسيحية مصرية أو عربية”. وكذلك يجب على المسلمين أن يدركوا أن الثقافة الإسلامية في بلد يمتلك جالية إسلامية لابأس بها لكنه يحمل قيما وتراثا وثقافة وعادات مختلفة، يجب أن يكون مختلفاً، وتابعاً للثقافة والظروف وأعراف البلاد التي يعيشون بها، وليس البلاد التي نشأ فيها آبائهم.
اقرأ/ي أيضاً: حظر علم حماس في ألمانيا وتشديد عقوبة التحريض على اليهود والمسلمين
يعيش أكثر من خمسة ملايين مسلم في ألمانيا، بحسب دراسة أخيرة من المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في ألمانيا في نهاية النصف الأخير من هذا العام. وأظهرت الدراسة أن البلدان الأصلية للمتدينين أصبحت أكثر تنوعًا بشكل ملحوظ. زاد عدد المتدينين المسلمين من أصول مهاجرة في ألمانيا بنحو 900 ألف في السنوات الست الماضية. وفقًا للمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF)، يتراوح العدد حاليًا بين 5.3 و 5.6 مليون. هذا يتوافق مع نسبة من السكان بين 6.4 و 6.7 في المائة.
تدريب الأئمة يحمي الدين من سلطة السياسة
لا يزال المسلمون من أصل تركي يشكلون أكبر مجموعة من أصل أجنبي في ألمانيا. ومع ذلك، لم يعودوا يشكلون أغلبية مطلقة بنسبة 45 في المائة. حيث ازداد عدد المسلمين من بلدان الشرق الأدنى والأوسط ويعيش اليوم 1.5 مليون شخص من الدول العربية في ألمانيا. تحقيقات ألمانية أشارت إلى أن التجمعات الدينية قد تستخدم لأهداف سياسية.
مالك التهامي ( 50 عاماً) من المغرب العربي، درس علم الاجتماع وهو يعمل كمربي في المقاطعة الألمانية شمال الراين فستفاليا، ودرس القرآن في جمعيات إسلامية مختلفة. يرى مالك أن السؤال حول إمكانية وجود إسلام ألماني هو قضية غاية في الأهمية. بحسب مالك فإن الغالبية العظمى من المسلمين غير منظمين على الإطلاق. يأمل مالك أن يستطيع الحصول على فرصة التدريب المهني في برنامج “إمام صنع في ألمانيا” الخاص بالأئمة في جامعة أوسنابروك رغم تقدمه بالسن، فبرأيه أن الجمعيات الإسلامية لا تكفي لرسم هوية مسلمي ألمانيا، كما أن بعضها قد يكون مسيساً، وبالنسبة له فإن الدين هو شأن خاص، لا يجب أن يخضع للسياسة.
يقول مالك : “كثير من الآباء لا يعتبرون الفصل بين الجنسين في المدرسة ضرورة في سن المراهقة، ولكن بعض أئمة الجوامع في ألمانيا يعتبرونه خروج عن العادات الإسلامية، وهنا يتوجب على بعض الأئمة أن يأخذوا دوراً للحديث مع الأهالي بشفافية ومحاورتهم حول ذلك وغيرها من الأمور الدينية والقضايا الخاصة بأوروبا”. يؤكد مالك أن وجود هذا التدريب لايعني أن ألمانيا ستفرض على المسلمين ما هو خارج عن ديانتهم، بل ستساعد في إنتاج فئة من الأئمة التي ترى أن النقاش وعدم إصدار الأوامر الدينية أمراً جوهرياً في التدين. يضيف مالك :” بعد سنين سيكون لدينا أئمة لاترى نفسها سلطة دينية يجب أن تطاع”.
لايحق للدولة التحكم بالتجمعات الدينية بحجة الحماية من التطرف بل تركها لتنظم نفسها
التدريب المهني للأئمة لا يراه الجميع إيجابياً كمالك. يجد البعض أن الدولة الألمانية تريد فرض شكل إسلامي معين على الأئمة. أحمد الساس ( 30 عاماً)، درس الكيمياء في سوريا وهو في مرحلة تعديل الشهادة والبحث عن عمل في ألمانيا، أحمد مجاز بتجويد القرآن من سوريا ويشارك كمتطوع لتعلم القرآن في أحد جوامع في مقاطعة ساكسونيا السفلى. يرى أحمد أن الدولة تريد محاربة الإسلام المتطرف وهو هدف يسعى له كثير من الأئمة، وعدم توجه الشبان والشابات للتطرف، ولكن النقاشات المفتوحة للأئمة هو ما ينقص وليس فرض شكل معين من الدولة الألمانية. يقول أحمد لقد اطلعت على منهاج التدريب المهني، يبدو لي أنه منهاج غير مكتمل، وموجه ولاينبغي للسياسة أن تتدخل بالدين على الإطلاق.