آمال الطالبي.
تماسك حلف الناتو والحرب على الإرهاب وملف اللاجئين، وأسباب التوجس الأوروبي من الأوضاع التركية بعد محاولة الانقلاب.
ينظر الفاعلون الدوليون وخاصة الأوروبيين والأمريكيين منهم بعين الريبة والترقب إلى تطورات أحداث ما بعد محاولة الانقلاب في تركيا، مبدين عدم موافقتهم لردود الفعل القوية للحكومة التركية التي قررت مواجهة الانقالبيين بيد من حديد وتفعيل قانون الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر مما سيتيح لها مواصلة “حملات التطهير” الواسعة التي شرعت في القيام بها منذ الساعات الأولى التالية لمحاولة الانقلاب في صفوف الهياكل المسيرة والعاملة في مؤسسات الدولة السيادية، والتي تستهدف جميع عناصر ما يسميه الأتراك “بتنظيم الدولة الموازية” التابعين لحركة الداعية فتح الله غولن، وخاصة المتورطين منهم في العملية الانقلابية الفاشلة، حيث يعيب القادة الأوروبيون وعلى رأسهم الألمان والفرنسيون والبريطانيون، والذين كانوا قد نددوا جميعهم بالمحاولة الانقلابية وأعلنوا تأييدهم للحكومة الشرعية المنتخبة، يعيبون على الأخيرة، تلويحها بإمكانية إعادة تبني عقوبة الإعدام في حق الانقلابيين فضلاً عن شروعها في حملات اعتقال كبيرة تشمل آلاف المسؤولين والموظفين المدنيين والعسكريين.
وإذا كانت مرامي حكومة إردوغان وراء الحملة التطهيرية الضخمة التي تشمل موجة الاعتقالات والتوقيفات إضافة إلى إجراءات العزل والإقالة والمنع من السفر الذي طال الآلاف من كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين بمختلف رتبهم العسكرية والأمنية وعددًا لا يستهان به من الموظفين والكوادر في مجموعة من القطاعات الحيوية كالداخلية والقضاء والتعليم. حيث أوقفت وزارة التعليم على سبيل المثال15 ألف موظف عن العمل ودعا المجلس الأعلى للتعليم إلى توقيف 1577 عميد كلية في الجامعات التركية مع منع جميع الأكاديميين من السفر خارج الأراضي التركية، إذا كانت، تهدف إلى إعادة بسط سيطرتها على المؤسسات السيادية التركية في ظل حالة الارتجاج التي تهز في الوقت الراهن كامل مؤسسات الدولة التركية، فإن التحذيرات الغربية تصب في اتجاه التخوف من استغلال الرئيس التركي إردوغان فرصة محاولة الانقلاب للنيل من خصومه السياسيين ومعارضيه. حيث حث في هذا السياق بعض المسؤولين الألمان والفرنسيين والأمريكيين الحكومة التركية على ضبط النفس والحفاظ على سيادة القانون.
ولعل التخوف الأمريكي والأوروبي واهتمامه الزائد بمصير الأوضاع التركية ما بعد محاولة الانقلاب التي تعتبر إلى حد كبير شأنًا تركيًا داخليًا يرجع بالأساس إلى الأهمية الجيوستراتيجية التي تحتلها تركيا كدرع أساسي يحمي أعضاء حلف الشمال الأطلسي “الناتو” من روسيا والدول العربية، فضلاً عن الأهمية الكبيرة للجيش التركي الذي يشكل ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف الناتو بعد الولايات المتحدة الأمريكية وكذا الدور الحيوي الذي تلعبه تركيا في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية كشريك أساسي ضمن التحالف الدولي المناهض للتنظيم، هذا بالإضافة إلى الاعتماد الكبير للاتحاد الأوروبي على تركيا في حلحلة ملف اللاجئين السوريين والعراقيين الذين تستقبل منهم حاليا قرابة الثلاثة ملايين لاجئ، حسب التصريحات الأخيرة لرجب طيب إردوغان الرئيس التركي لقناة الجزيرة عقب محاولة الانقلاب.
إن التغيرات الجيوسياسية الطارئة على المنطقة خلال الفترات الأخيرة، والمسفرة عن تراجع الحكومة التركية عن تبني “استراتيجية صفر مشاكل مع الخارج”، وخاصة منها الحرب السورية وأزمة الأكراد واضطراب العلاقات مع مصر وروسيا وأزمة اللاجئين زيادة تعثر تقدم ملف انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي… عوامل أدت إلى توتر العلاقات التركية الأمريكية، والتركية الأوروبية، مما يفرض اليوم أكثر من أي وقت مضى على كل من الشركاء الدوليين الأساسيين لتركيا كما على الأخيرة، المتمتعة بقبول شعبي كبير، التحلي بالحكمة والتريث في التعامل مع مرحلة ما بعد محاولة الانقلاب.