مارغت سروكا:
رئيسة لجنة المرأة في نقابة الحديد والصلب في غومرسباخ
يُحتفل في كل عام بيوم النساء العالمي بتاريخ الثامن من مارس/آذار. “تحرر” النساء أو بالأحرى “تحرير” النساء يجسد مطلبا للنساء يناضلن من أجله منذ مئات السنين بهدف تحقيق حياة يسودها الاستقلال الذاتي. القيادات النسائية التاريخية من أمثال الإشتراكية كلارا تسيتكين وروزا لكسمبورج ناضلن منذ عقود من أجل حقوق النساء وعلى رأسها حق الانتخاب، وحقهن في اختيار مهنهن وممارستها. واليوم يضمن دستور جمهورية ألمانيا الاتحادية مساواتهن بالرجال. بيد أن المساواة في فرص العمل لم تتحقق بعد على الأرض. الأمهات المعنيات بتربية أطفالهن يرغمن على التنازل عن الصعود في السلم المهني. عدم الاستمرارية في الحياة المهنية بسبب تربية الأطفال أو رعاية الأبوين أو الاكتفاء بجزء من مزاولة العمل تؤدي إلى تعثر النجاح المهني الذي لا يستوي إلا من خلال التواجد المستمر في الشركات، وهذا ما لا تقدر عليه امرأة تربي أطفالا. وينجم عن ذلك في حالات كثيرة أن عائدات التأمين الاجتماعي أثناء تقدم النساء بالعمر غير كافية، لأن مستوى هذه العائدات في ألمانيا يتحدد من مستوى الدخل، وما يدفعه المواطنون من اشتراكات لخزينة التأمين، ويترتب على ذلك أن النساء اللواتي يتلقين رواتب قليلة أو اللواتي لا يعملن لا يستطعن توفير مبالغ كافية لتقاعدهن، أي أنهن سيعانين من الفقر في كبرهن.
نساء لجنة نقابة الحديد والصلب في غومرزباخ يتميزن بممارستهن للعمل النقابي، وبوعيهن السياسي، ومعظمهن انتخبن على أسس ديمقراطية في الشركات التي يعملن بها بناءً على “قانون حقوق العاملين” كممثلات للعاملين والعاملات من أجل الدفاع عن مصالحهم في الشركة. وعليه فإن النساء يهتمين بسياسة الشركة وبحقوق العاملين فيها. ومن هنا تتوفر إمكانيات جيدة من خلال القوانين المتعلقة بهذا الموضوع لتحقيق مطالب العاملين.
وتحرص لجنة المرأة نقابة الحديد والصلب في غومرزباخ منذ سنوات على التركيز على التطور المهني للنساء. وفي هذا السياق تمت زيارات لجمعية تاريخ النساء في كولونيا. ومن المعلومات التي حصلت عليها اللجنة من المؤرخات، تم إطلاع نساء غومرزباخ كيف كان تنظيم عالم العمل في القرون الماضية. ويعتبر اليوم العالمي للنساء مناسبة طيبة للنضال من أجل القضايا المتعلقة بعمل النساء. وفي هذه المناسبة نقوم بنشاطات كما هو الحال في هذا العام عندما قررنا الدخول في حوار مع اللاجئات.
وبطبيعة الحال توجد دائمًا تحفظات إزاء الغرباء. هناك تصورات لكل شخص عن “اللاجئ” كما تتشكل عند الذين يتجولون في أنحاء العالم صور عن الأوروبيين والألمان والنمساويين إلخ، ولكن هذه الصور والتخيلات لا تكفي للتعرف على الآخر. ولذا، لا بد من تبادل وجهات النظر ومحاولة تفهمه. عندئذٍ فقط نتوصل إلى الاندماج والتقارب.
ولذا عُقد اجتماع لجنة المرأة في نقابة الحديد والصلب في غومرزباخ تحت شعار “نريد أن نتعرف إلى بعضنا الآخر”.
وكان يهدف هذا اللقاء للتعرف إلى اللاجئات أولا كأشخاص، ومن ثم للاطلاع على مدى تفاعل اللواتي يأتين من بلاد بعيدة مع مجتمعنا، بالإضافة إلى الاطلاع على عملهن في بلادهن وعلى خططهن المستقبلية لهن ولعائلاتهن. وفي نهاية هذا اللقاء اتضح للجميع أن النساء يتوخين المشاركة مهنيًا في سوق العمل الألماني. “لم نكن نعلم في البداية فيما إذا ستتقبل اللاجئات دعوتنا”، كما قالت مارجي سروكا رئيسة مجموعة العمل، ولكن 30 لاجئة جئن إلى بيت النقابات برفقة وتشجيع نساء من منظمة كاريتاس الخيرية والمدرسات اللواتي يعملن في ميدان الاندماج. وبعد تحفظ في البداية، انطلق حوار رائع دل على اهتمام كبير وفضول وإعجاب بما ستقدمه اللاجئات لألمانيا. وقد تركز الاهتمام بالدرجة الأولى على التأهيل المهني وإمكانيات عمل الأمهات. ونحن نصبو في المستقبل القريب أن نرحب بانخراطهن في عالم العمل.
نساء نقابة الحديد الصلب يتحدثن في التقرير التالي عن حوارهن مع الضيفات:
إنجي: “سعدت لتبادل وجهات النظر مع شابتين من إيران. كلاهما يعيش في ألمانيا منذ 16 شهرًا ويتكلمن لغتنا بطلاقة. هربتا من عاصمة بلادهن بسبب دينهم المسيحي الذي حال دون اختيارهم لمكان العمل أو لما أردن دراسته. ستبدأ قريبا دراستهما الجامعية في كولونيا. وقد حصلت إحداهما على باكلوريوس في الفيزياء وتعد في ألمانيا لشهادة الماجستير. السيدتان عازمتان على العمل في مهنة التدريس بعد تخرجهما”.
مارتينا: “بعد التحية بالإنكليزية والألمانية، تجالسنا مع الضيفات على طاولات صغيرة للمجموعات، وتناولنا القهوة والكعك، ثم بدأ الحوار بسرعة بين الطرفين. كان من الواضح اهتمامهن بالحديث عن العائلة والتأهيل الدراسي والعمل. تفاجأت حين اطلعت على إمكانيات الدراسة والعمل في إيران ومصر بالإضافة إلى إمكانية الجمع بين الوظيفة والعائلة. وعلى سبيل المثال توجد في مصر حدائق أطفال متخصصة برعاية الأطفال طيلة النهار بعد ولادتهم بأربعة شهور، وبهذا تتوفر فرصة العمل للنساء. وعلى صعيد آخر تحدثن إيرانيات يتكلمن الألمانية بطلاقة مدهشة أنه لا يمكن الحصول على أماكن عمل مناسبة لتخصصهم دون دفع رشوى. وقد أكدت بقية النساء المنحدرات من بلاد أخرى على صحة المعلومات التي أفصحت عنها الإيرانيات. كما أكدت النساء على رغبتهن الملحة في الاستقلال الاقتصادي، والحصول على العمل المناسب للاستغناء عن المساعدات الألمانية. كما أعربت الشابات منهن عن عزمهن على الدراسة الجامعية في ألمانيا وتعلم اللغة الألمانية والتعرف على البلاد ومواطنيها. يتوجب علينا أن ندعمهن في هذا المضمار.”
تانيا: “كان الحوار مع اللاجئات ممتعًا في هذه الأجواء اللطيفة، وقبل أن تبدأ جلسات بعد الظهر كنت قلقة فيما يتعلق بانطلاق الحوار معهن. بيد أن ذلك تحقق بسرعة بالانكليزية أو من خلال التحدث ببطء بالألمانية وكذلك باستخدام لغة الإشارات. سعدت بذلك رغم تعثر لغة التفاهم في البداية. مازلت أتذكر ما قالته صحفية بإنها تعمل في صحيفة اللاجئين وإنها تتوخى التعرف على ألمان بحكم مهنتها وعملها. حدثتني أنها سورية مقيمة في ألمانيا منذ سبعة شهور وأنها تعمل في صحيفة اللاجئين وإلى غير ذلك. لم أتمكن للأسف من معرفة الأسباب التي حالت دون تعلمها الألمانية بسرعة. لم يسفر حواري مع أم وبنتيها عن نجاح يُذكر لأنهن لا يتكلمن الألمانية أو الإنجليزية. في البداية ترجمت لي الصحفية أطرافا من الحوار ومنه فهمت أن عمر البنتين لم يتجاوز السادسة عشر والسابعة عشر. لقد تعلمت من هذه اللقاءات أن علينا ألا نهاب من اللقاءات مع اللاجئات. إنهن يتواجدن هنا لأنهن لا يعرفن إلى أين يذهبن بسبب الحرب أو تطورات أخرى في بلادهن. إنهن يشعرن بالسعادة والشكر عندما نستمع اليهن ونهتم بهن. آمل أن ألتقي بهن مجددا في أجواء تتميز بالانفتاح.”
بيترا: “لقد استفدت من هذه التجربة. تأثرت بحديثي مع شابة سورية. كانت في سوريا مسؤولة عن رعاية مرضى مصابين بالشلل العصبي. وعدتها الدوائر الألمانية بلم شملها مع أبويها وأعمارهما 71 و 75 عاما. ولكن ذلك لم يتحقق ولذا قررت العودة إلى سوريا على الرغم من خوفها من الأوضاع هناك، بيد أن حبها لأبويها وشعورها بالمسؤولية أقوى من خوفها. ما ذكرتُه يشير إلى تحطم كثير من الأحلام لأن بعض اللاجئين يغادرون بلادهم بتصورات غير واقعية. ومن ناحية أخرى شعرنا أن أوضاعنا الذاتية جيدة في ألمانيا بالمقارنة مع البلاد الأخرى. نحن نعيش في أمان نسبي ولا نُرغم على اتخاذ قرارات تهدد حياتنا بالخطر. شعرت أن النساء سعدن، بعد التحفظ في البداية، بلقائهن معنا. وعلى الرغم من الحواجز اللغوية لاحظت هنا وهناك أن الحوار كان إيجابيا وممتعا. كان حدثا موفقا بكل ما في هذه الكلمة من معنى.”
ريناتي: “النساء متحمسات لتعلم اللغة الألمانية. الأحداث في سوريا تركت بصماتها عليهن، لأنهن خسرن كل شيء ومازلن يعانين من رعب القذائف. كن يرغبن بقوة أن يحصلن على معلومات منا.”
ألتون: “أؤكد على أن النساء مثقفات ومنفتحات على العالم، وعازمات على التعرف إلينا وعلى ثقافتنا”.
أما عن رأي اللاجئات والسيدات غير الألمانيات اللاتي شاركن في هذه الفعالية فيبدو أنهن أيضا مسرورات لهذه المبادرة كما بدا من خلال الاستطلاع التي أجرته أبواب معهن:
تركان (كردية تركية): “كانت هذه المرة الأولى التي ألتقي فيها نساءً سوريات، وقد كانت بعضهن كرديات، استمتعت جدا بالحديث معهن وأن هناك لغة ثالثة يمكننا التواصل عبرها، اللقاء جميل وإيجابي جدًا”.
مرفت (محامية مصرية موجودة في ألمانيا كلاجئة): “لقد لبيت الدعوة لأنني اعتقدت أنها ستكون اجتماعًا عن العمل في ألمانيا، ورغم أن فهمي كان خاطئا، فالأمر كان احتفالية بمناسبة يوم المرأة، لكني مع هذا استمتعت باللقاء اللطيف ولقاء الأخريات”.
غالية (لاجئة سورية وهي ربة منزل): “أنا سعيدة جدًا بهذا اللقاء، يوم المرأة مناسبة أيضا في سوريا، وقد كانت السيدات الألمانيات لطيفات جدا، كذلك اجتمعت بلاجئات مثلي، وتحدثنا عن همومنا أيضا”.
ولاء (لاجئة سورية): “كان لطيفًا أن تقطع مارغت مسافة لتدعوني شخصيًا لهذا اللقاء، شعرت أن الألمانيات لديهن فضول اتجاهنا كما نحن نحاول التعرف على المجتمع هنا، وقد عزز هذا اللقاء قناعتي أن المشترك بين البشر أكثر من المختلف، فغالية، السيدة السورية اللطيفة البسيطة التي جلست بقربي، ورغم وجود انتماء مشترك على عدة أصعدة بيننا، إلا أننا لم نستغرق بأحاديث طويلة وهي لا تجيد أي لغة أجنبية، وكنت أترجم لها بعض الجمل، لذلك صدمت حين سمعت ضحكها العالية مع سيدة ألمانية قربها، وحين اقتربت، وجدتهما يتحدثان عبر الرسم والإشارة عن همومهن المشتركة كأمهات كان أمرًا أثر بي بشدة “.
* ترجمة: حكم عبد الهادي