لمع اسم غياث المدهون في الآونة الأخيرة، وخصوصًا بعد وصول كتابه الشعري “بعيدًا عن دمشق” الصادر باللغة الهولندية عام 2014، إلى قائمة الكتب الأكثر مبيعًا في بلجيكا، وصدور طبعة ثانية منه، في حالة غريبة عن عادة كتب الشعر.
يكتب غياث نصًا متخففًا من الاستعارات ولكنه لا يتورط أبدًا بالمباشرة. يعتمد التداعي السردي للأفكار ويركز على المواربة في انتقاء المفردات التي تساعده في تفكيك ذرات الماء وتقديمها لنا. فبدلاً من أن يقول ماء، على سبيل المثال، نجده يقول H2O. يتكلم عن الفيزياء والكيمياء ويستند إلى قوانينهما ليثبت لنا فساد الطبيعة، في قصيدة من الكتاب يقول:
الفيزياء.
لعنةُ اللهِ على الفيزياء.
لماذا يغرقُ المهاجرونَ، وبعدَ أنْ يلفظوا أنفاسَهُم الأخيرة يطفونَ فوقَ وجهِ الماءِ؟
لماذا لا يحدثُ العكسُ؟
لماذا لا يطفو الإنسانُ حين يكونُ حيَّا، ويغرقُ حين يموتُ؟
وجوابًا على سؤال خاص لأبواب، عن دور الشعر، وهل يرى المدهون أن الشعر مازال ديوان العرب، قال:
” لا أعرف تمامًا ما هو دور الشعر اليوم، ولكن ما أعرفه بالتأكيد أنه لم يعد ديوان العرب. الشعر اليوم هو فعل نخبوي، يوجه إلى نخبة النخبة،، نخبة القرّاء. ولا أعتقد أنه يؤثر كما كان يؤثر أيام مجد الشعر العربي والفروسية والخطابة.
ولكن ما زال هناك في عمق الروح العربية، مازل بصيص من الدفء يصدر عن حرارة الجمرة الخابية للشعر العربي، أستطيع أن أقول أنني لا زلت شخصيًا مؤمنًا بدور معين للشعر حتى لو لم يكن هذا الدور هو ديوان العرب بالمعنى المتعارف عليه. لكن أنا أؤمن أن الشعر هو أرقى أنواع الفنون التي توصلت إليها البشرية.
ولا أعتقد كذلك أن الشعر يستطيع أن يغير العالم، لكني أؤكّد لك أن الشعر يستطيع أن يغير أشخاصًا، وهؤلاء الأشخاص يستطيعون من خلال أعمالهم أو نتاجاتهم أن يغيروا العالم”
صدرت المجموعة “أدرينالين” عن “المتوسط” في 98 صفحة، وفيها مجموعة من قصائد كُتبت في المنفى، لكنها تحمل كل الهم السوري، والوجود العربي في أوروبا.
ففي قصيدة الحليب الأسود يقول:
مبتسمًا كأنَّ الحربَ لم تأكلْ أخي،
أتسلّقُ جبل الكرمل مثل عريشة عنبٍ
كي أظهرَ بجانبكِ في الصورة العائلية،
فتقفينَ بجانبي مُرَّةً كالحقيقة،
ودافئةً مثل رصاصة،
وطويلةً مثل يوم الأحد.
امرأةٌ بذاكرةٍ مثقوبةٍ، يسيلُ منها قلبي على شكلِ فراشة،
كلّما فكّرتُ فيها تفكيرًا مشروعًا
يرفضُ قلبي أنْ يرضخَ للشريعة الإسلامية،
ويرفضُ الشعرُ أنْ يطاوعني على تكرار المجازاتِ الباليةِ للشعراء الكلاسيكيين،
يرفضُ البنكُ أنْ يمنحني قرضًا، كي أشتري حصانًا،
يرفضُ أمراءُ الحرب أنْ يصبحوا أمراءَ سِلْم،
يرفضُ الأطفال أنْ يلعبوا معي حين أمرُّ في الحارة، لأنَّ أهلهم حذّروهم من الغرباء.
أنا لن أعلِّم أبنائي أنْ يخافوا الغرباء،
فأنا واحد منهم،
لن أقولَ لهم لا تكلّموا الرجلَ الغريب،
فذلك أنا،
أنا الغريبُ الذي فَقَدَ يده في الحرب،
الأرملُ الذي لم تمتْ زوجَتُه،
المهاجرُ الذي لم يغرقْ في المتوسّط.”
على الغلاف:
“عزيزي غياث. نصك الشعري هذا مؤثر وخارج من سيطرة القوالب المعهودة للقصيدة (النثرية أو غيرها)، فيه عنف ورقة في آن. تقليب ونخز لمرجعيات راسخة سواء في الأنا أو الآخر الذي عليه أن يرى وجهه في هذه المرآة المحجرة. قوي ويلعب على أسماء العلم ولكنه لا يتكئ عليها.”
أمجد ناصر عن قصيدة الحليب الأسود (مقطع من رسالة).
“حكاية معاصرة حول الانحدار والأحداث الجارية، الحب والعنف، المشاكسة والشعور بالذنب.”
الشاعر توماس مولهام، أڤاتر (مجلة شعرية هولندية) هولندا.
“شعر المدهون هو العاطفة التي لا توفر الراحة، متقد حتى أعمق أليافه المعجمية والنحوية، لا شيء يتم وضعه في منظوره الصحيح، باستثناء الوجود الفردي الخاص، في النهاية، العديد من الأصوات تتحدث بصوت الشاعر، وخصوصا الأموات.”
أيروين يانس، بويسي كرانت (مجلة الشعر) بلجيكا.
“قسوة ووحشية الحرب يتم تكرارها حتى تغدو جلية.”
الغارديان، من المقدمة التي سبقت نشر قصائد المدهون.
لمحة عن الشاعر غياث المدهون:
شاعر فلسطينيّ من دمشق، يقيم في السويد منذ ٢٠٠٨.
صدر له:
«قصائد سقطتْ سهوًا» اتّحاد الكتاب العرب، دمشق، ٢٠٠٤ \ جائزة المزرعة ٢٠٠٥.
«كلّما اتّسعت المدينة، ضاقتْ غُرفتي» دمشق عاصمة الثقافة العربية، دمشق، ٢٠٠٨ \ جائزة دمشق عاصمة الثقافة العربية، ٢٠٠٨.
«طلب لجوء» مختارات شعرية مُترجمة إلى اللغة السويدية، دار أيرساتز، ستوكهولم، ٢٠١٠. \ جائزة «دي فيلدر» للكاتب الأجنبيّ من مؤسّسة دي فيلدر واتّحاد الكتّاب السويديين، ٢٠١٢.
«المدينة»، قصيدة صدرتْ بكُتيِّب باللغة السلوفينية والعربية، ليوبليانا ٢٠١٢.
«طريق دمشق» مجموعة شعرية مشتركة مع الشاعرة السويدية «ماري سيلكيبيري»، دار آلبرت بونير ٢٠١٤. \ اختير الكتاب، ليكون ضمن قائمة النقّاد في أكبر صحيفة سويدية «داغينز نيهيتر» لأفضل الكُتُب الصادرة في السويد في العام ٢٠١٤، وحُوِّل الكتاب إلى مسرحية إذاعية في الراديو السويدي عام ٢٠١٥.
«لا أستطيع الحضور» مجموعة شعرية، المؤسّسة العربية للدراسات والنشر، بيروت ـ عمان ٢٠١٤.
«بعيدًا عن دمشق» مجموعة شعرية مترجمة إلى اللغة الهولندية عن دار يورجن ماس الهولندية، أمستردام ٢٠١٤. \ وصل الكتاب عام ٢٠١٥ إلى قائمة كُتُب الشعر الأكثر مبيعًا في بلجيكا، وصدرت له طبعة ثانية عام ٢٠١٦.
ترجمت له نصوص إلى الألمانية والإيطالية والإنجليزية والسلوفينية والدانماركية واليونانية والهولندية والفرنسية والسويدية والإسبانية والألبانية والكرواتية، ونُشرت في المجلات الأدبية في تلك البلدان.
عدّة أفلام شعرية مشتركة مع الشاعرة السويدية ماري سيلكيبيري، آخرها «ثلج» ٢٠١٥.
سيصدر له:
«أنا هنا، أنت هناك» مجموعة شعرية مشتركة مع الشاعرة الهولندية آنا فيجتر، دار يورغن ماس، أمستردام ٢٠١٧.
«أدرينالين» مختارات شعرية باللغة الإنجليزية، أكشن بوك، الولايات المتحدة ٢٠١٧.
«أدرينالين» مختارات شعرية باللغة الألمانية، دار آركيه، سويسرا ـ ألمانيا ٢٠١٨.