أجرى الحوار: محمد عبيدو
سيفتتح مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة عروض أفلامه اليوم 20 فبراير بعرض فيلم “عشتار ياسين” الأخير: “فريدتان dos farida “، ويبلغ مدته 92 دقيقة. تقوم المخرجة بدور البطولة في الفيلم الذي تدور قصته حول العلاقة التي ربطت الرسامة المكسيكية “فريدة كاهلو” وممرضتها الكوستاريكية “جوديث فيريتو”، التي وصلت المكسيك أواخر العام 1940 للاعتناء بالكاتب الكوستاريكي الشهير “كارمن لير”.
بعد فترة وجيزة ارتبط مصير “جوديث” مع “فريدا كاهلو”، حيث ظلت ترعاها طوال السنوات الأخيرة من حياتها بمنزلها الأزرق في المكسيك حتى وفاتها. وعلى الرغم من تناقض شخصيتاهما ففريدا تجسد شغفاً خالصاً بطبيعة مسترخية، فيما “جوديث” مهووسة بالنقاء والنظام. إلا أن لديهما سمات مشتركة: فقد ظلت كلتا المرأتين من الشيوعيات المتحيزات وعانيتا من مشاكل صحية مماثلة. وأصبحت هذه القصة أساس فيلم “فريدتان”.
الشخصية الرئيسية في هذا الفيلم هي “جوديث” التي لعبت دورها الممثلة البرتغالية الشهيرة “ماريا دي ميديروش”. ومع ذلك فالفيلم ليس سيرة ذاتية عادية، بل هو بحسب تعبير “عشتار ياسين” خليط الذكريات، الزمن، الخيال والواقع.
لإضاءة عملها في فيلمها الأخير التقينا عشتار ياسين في هذا الحوار:
ما أكثر شيء أثارك في شخصية فريدا وحفزك لتناولها بفيلمك الجديد؟
كانت فريدا كاهلو مصدر إلهام لي، مثل العديد من الفنانين الآخرين في الأدب والرقص والرسم والسينما. إنها فنانة من خلال أعمالها التصويرية، وأيضاً الشعرية، قدمت رسائلها وكتاباتها في “اليوميات الحميمة” إسهاماً هائلاً في بناء الهوية الأنثوية. نحن، النساء، بحاجة لأن نعبر عن أنفسنا من أعمق جزء من كياننا. وعلى مدار التاريخ، تعرّضت النساء للقمع، وتم إسكات أصواتهن. ولهذا السبب فريدا هي رمز للمهمشين والمنسيين، ولدت في شيكاغو بالولايات المتحدة، وعاشت في المجتمعات اللاتينية مع الحرفيين والمهاجرين. تمكنت من التعبير عبر عملها الفني عن حياتها الخاصة، نظرتها، ألمها، موقفها السياسي. تمكنت من تحويل ألمها الجسدي إلى جمال في لوحاتها. إنها تخلق نفسها وتتبنى الحياة المغمورة بالصور الشائعة، في الطبيعة، في أساطير ما قبل الإسبان. في فيلم “Two Fridas” ومن خلال ممرضتها نحاول الاقتراب من عالم هذه الفنانة العظيمة.
لماذا تناولت في الفيلم شخصية ممرضة فريدا من كوستاريكا، جوديث فيراتو، وكيف التقيت بها؟
في عام 1992 التقيت مع رسام كوستاريكي اسمه سيزار فالفيردي، الذي قدم تحية تصويرية للفنانة، ووضع صورة ذاتية لها، ومشيت إلى جنازته. ثم اكتشفت جوديث فيراتو، التي كانت ممرضتها الشخصية. وبعد عام، دعتني كاتبة السيرة الذاتية لفريدا كاهلو، مارثا زامورا، لتقديم العمل في المكسيك، في مكان هو “المستشفى الإنجليزي” حيث رأيت جوديث فيراتو لأول مرة. منذ تلك اللحظة بدأت البحث، وصرت أقوم بتجميع الحروف والأشياء والشهادات وكتابة سيناريو هذا الفيلم.
كيف كانت العلاقة بين هاتين الشخصيتين؟
وصلت جوديث من كوستاريكا إلى المكسيك العام 1948، وفي العام 1950 أصبحت ممرضة فريدا، وقد اعتنت بها في المرحلة الأخيرة من حياتها حتى وفاتها 1954. كان لديهما علاقة تقارب وصداقة عميقة. عانت فريدا من الألم الجسدي وأعطتها جوديث قوة للصمود. رعتها وهدّأتها. علمت من جوديث أنها قد تعرضت لحادث مماثل وشعرت بنفس الألم الذي أصاب فريدا. بدأت في ارتداء حزام الخصر نفسه، وتحدثت بنفس الطريقة، حتى أنها أظهرت مشاعر مشابهة. هناك رسائل متبادلة بينهما. أخذت من الرسائل التي أرسلتها إلى فريدا وغيرت فقط جزءاً من المونولوجات، معظمها شعرية. وكنت قادرة على زيارة “البيت الأزرق”، حيث عاشت فريدا كاهلو مع زوجها، الرسام دييغو ريفيرا، وقراءة هذه الرسائل التي كتبنها لبعض. جوديث فيريتو هي الشخصية الرئيسية في “دوس فريدا”، ومنها نسافر إلى الماضي، دون أن نحاول إنتاج نسخة تاريخية. إنه ما رأيناه من ذاكرة جوديث. الخط الرئيسي يحدث في منزل جوديث، في الأيام الأخيرة من حياة الممرضة في كوستاريكا، ومع قرب وفاتها، أصبحت الذكريات في المكسيك مع الرسامة أكثر حضوراً.
كيف عشت تجربة الفيلم؟
كانت شديدة جداً في ظروف صعبة للغاية. في نفس الوقت الذي أخرجت فيه الفيلم، كان عليّ أيضاً أن أقوم بأداء شخصية فريدا كاهلو. امتد التصوير خمسة أسابيع مع فريق من المهنيين السينمائيين من المكسيك وكوستاريكا. عملنا دون توقف، كانت الوسائل الاقتصادية نادرة، وهي سبب اضطراري إلى اللجوء باستمرار إلى الخيال للتغلب على العقبات. كنت أفرض نفسي في بعض اللحظات، كوني مخرجة، فعلي أن احارب لكي احترم نفسي. كان معظم التصوير في منزل في مكسيكو سيتي، أيضا في تاكسكو، غيريرو، حيث قمنا بتصوير مشاهد من العوالم السفلية.
هل يمكن اعتبار فيلمك “فيلماً نسوياً” من حيث حضور الشخصيات والعمل بها؟
لا أؤمن بالتصنيف. أنا لا أبني الشخصيات بناء على إيديولوجية سابقة، لأنني أعتبر الفن شكلاً عميقاً للغاية والإبداع الفني يقوم بشكل أساسي على التعبير عن اللاوعي، وأهم شيء هو العثور على لغتك الخاصة. التواصل بين الفنان والمشاهد عميق لدرجة أنه يمكن أن يدخل لاوعي الناس. لقد تم التعامل مع النساء كأشياء ونادراً ما كنّا قادرين على أن نكون رعايا. في أفلامي، ستكون النساء دائماً الشخصيات الرئيسية. بالطبع، كفنان وامرأة، لدي منصب أقوم فيه بالدفاع عن الحقوق والفرص المتساوية، وهو أمر صعب، لأن تاريخ الأبوية كان تاريخ البشرية.
هناك الكثير من الوقت بين أفلامك، هل تعانين من صعوبات في الإنتاج؟
بعد أول فيلم روائي طويل بعنوان “الطريق”، الذي عرض لأول مرة في مهرجان برلين الدولي عام 2008، عرضت فيلماً وثائقياً تم تصويره في هاييتي العام 2010، بعد شهر واحد من الزلزال الذي أودى بحياة 300 ألف شخص في ذلك البلد “فقط 10 ثواني”، ثم في عام 2012، صنعت فيلماً قصيراً في أواكساكا المكسيك خلال الاحتفال بـ”يوم الموتى”. وفي العام 2014 عرضت لأول مرة فيلماً بعنوان “نهاية العالم لوقتنا”، مع لوحات الفنان التشيلي الكبير خوليو إيساكميز. في نفس الوقت صنعت أفلاماً قصيرة تجريبية أخرى.
الصعوبات أولا وقبل كل شيء، مالية. وحقيقة أن كوني امرأة أضاف أيضا صعوبات. فعادة ما يخصص للرجال ميزانيات أكبر للتصوير. كان لـ “فريدتان” ميزانية صغيرة للغاية، ولكن فرحت جداً بتصويره. كان شيئاً لا يصدق. كنت أرغب في عدم نسخ حياة الأشخاص فقط، ولكن أن أغوص فيها بعمق، حاولت أن أجد الإيقاع المناسب واستخدمه لإظهار ما لا نلاحظه عادة. كنت أرغب في إظهار ما تبقى من أشياء غير مرئية.
المخرجة في سطور:
“عشتار ياسين غوتيرس” هي ابنة المخرج المسرحي العراقي “محسن سعدون”، والدتها الفنانة واستاذة فن الباليه التشيلية “ألينا غوتيرس” وجدّها الروائي التشيلي “خواكين غوتيرس”. بعد وفاته وضع له تمثال من البرونز في ساحة المسرح الوطني في عاصمة كوستاريكا سان خوسه. درست عشتار وهي في سن الحادية عشرة في مدرسة خاصة في كوستاريكا، كان ضمن برامجها المسرح والشعر، ثم التحقت بمعهد الدراسات السينمائية والمسرحية في موسكو، حصلت على جائزة “بوشكين” كأفضل ممثلة شابة في موسكو العام 1986, وفي موسكو مثلت 11 فيلمًا قصيرًا وفيلمين طويلين. عملت عشتار في مجموعة الشارع في بنما واشتركت ضمن فعاليات الكاتب والمخرج السينمائي الكوبي “أنريك بانيدا. وعادت إلى الأرجنتين حيث أسست العام 1992 فرقتها الخاصة: فرقة عنبر، التي قدمت “الموت بأناقة” للكاتبة “إيرماريكو”، كما قدمت مسرحية “ليلة كادابرا” التي عرضت في كوستاريكا، ميامي “فلوريدا”، الأرجنتين، التشيلي، السلفادور، نيكاراغوا. عرضت مسرحيتها “شجرة الأمل” في الولايات المتحدة والسلفادور وكوستاريكا والدنمارك، عن حياة الرسامة المكسيكية “فريدا كاهلو”.
عنها كتبت الناقدة المسرحية “كابريلا باوه”: “يكفي لعشتار أن ترسم على جبينها خطًا أسود لتصل إلى شبه مدهش بفريدا كاهلو”، وكتب الناقد الكوستاريكي “أندريس سانث” الذي شاهد عروضاً عدة لعشتار: “عناد وشوق في حضورها على المسرح، قوة في الأداء، مستوى عال في التعبير الجسدي، وموهبة في التواصل مع الجمهور بكل الانسياب اللازم”.
حصلت عشتار على الجائزة الوطنية للمسرح والتي تمنحها وزارة الثقافة في كوستاريكا كأفضل ممثلة لعام 1994، وهي تكتب الشعر ولها كتب ومقالات في المسرح، تكتب وتخرج مسرحياتها، في أميركا اللاتينية يسمونها “غجرية بالصدفة” ففي عروقها تجري دماء عربية وتشيلية وبرتغالية. اتجهت عشتار إلى الإخراج السينمائي وأسست شركة للانتاج السينمائي، أول فيلم لها من إخراجها وإنتاج شركتها اسمه “فلورنسية الأنهار العميقة”، وقد مثلت فيه، وانجزت بعده فيلمين تسجيليين طويلين، الأول عن بابلو نيرودا والثاني عن اللاجئين، أنجزت نهاية عام 2007 فيلم روائي طويل عنوانه: “الطريق”، شارك ضمن المسابقة الرسمية في مهرجان برلين السينمائي العالمي، وحصد العديد من الجوائز في مهرجانات المكسيك وسويسرا وتولوز وأفضل فيلم لاتيني في مهرجان سانتياغو، وتدور أحداثه حول طفلين يهربان من بيت جدهما للبحث عن والدتهما التي تعمل في بلد آخر. وخلال عملية البحث يتعرضان لمواقف وأحداث خطرة ولاستغلال جنسي وسوء معاملة. وفيه بنت عشتار فيلمها من قصص واقعية معاشة عن عمليات الهجرة غير المشروعة في دول أميركا اللاتينية.
خاص أبواب
أقرأ/ي أيضاً للكاتب: