حوار. جان داود
صدرت عن دار موزاييك للدراسات والنشر في اسطنبول رواية “ثلاثة لاجئين ونصف” للكاتب السوري بلال البرغوث. أبواب التقت بالبرغوث للحديث عن عمله الصادر حديثاً ومشاريعه الأخرى.
رواية “ثلاثة لاجئين ونصف” للكاتب السوري بلال البرغوث من أربعة فصول، وكل منها رواية قصيرة بحد ذاتها تسرد قصص أحد اللاجئين، فاللاجئة الأولى سارة هي صبية سورية تتوه في مستنقع عصابات اختطاف اللاجئين في بلغاريا. بينما القصة الأكثر قساوة لرضا اللاجئ الأفغاني ذي الأربعة عشرة عاماً. وأما اللاجئ الثالث ابن جنوب السودان فتتحول حياته إلى جحيم أثناء مروره من الأراضي الليبية، وأخيراً اللاجئ النصف، هو شاب مصري لم يغادر مياه بلده الإقليمية، بل أعيدَ إلى شواطئها ليعيش الويلات هناك.
. لماذا شرعتَ بكتابة هذه الرواية مع أن الحديث عن اللاجئين أصبح مستهلكاً وركوباً للموجة كما يقال؟
من البديهي تأريخ وتوثيق حالة اللجوء بكل مراحلها، بدءاً من الظروف التي تعايشها أوطان المهاجرين، ومروراً بمرحلة اتخاذ قرار الهجرة وطرقها الوعرة وأخيراً الكفاح للتأقلم في البلد المضيف، ولاشك أن الحالة المرافقة لموجات اللجوء التي ينظر إليها على أنها استغلت الظرف إنما هي في الحقيقة محاولة لتأريخ هذه الرحلة ليس في ذاكرتنا فحسب، وإنما للأجيال المقبلة.
أريد يوماً ما أن أخبر أولادي أنني لم أغادر وطني عبثاً، وأريد كذلك أن أخبرهم بأن طرق الهجرة ابتلعت مئات أرواح الحالمين بالسلام والغد الأفضل.
. ما مدى واقعية القصص في الرواية؟ ما مدى اتصالها بالدروب التي عايشها المهاجرون؟ أم أنها سردية تخيلية بحتة؟
أثناء التحضير لكتابة الرواية حاولت سماع مئات القصص مباشرة من أصدقاء وأصدقاء أصدقاء عرفتهم هنا. كان لابد في بعض الأحيان من التواصل مع أشخاص داخل بلد المهاجر كذلك، كما حدث مثلاً في قصة الشاب المصري بيشوي، حاولت فهم واقع سيناء بشكل أكبر، حتى أستطيع نقل القصة بأمانة. لاشك بأن هناك حبكات درامية تخيلية، ولكن يمكنني الجزم بأن هناك بعض قصص اللجوء التي مرت بمنعطفات أكثر درامية وتراجيدية من تلك التي ذكرتها حتى، مثلاً، سابقاً في سكن اللجوء تعرفت على شابين من حمص عبرا بحر إيجة سباحة، وصديق آخر حطّت طائرته في نيبال أثناء محاولته الهجرة إلى أوروبا، وهناك دخل السجن، وهرب منه أثناء حدوث زلزال فيها.
. كيف تم اختيار طرق الهجرة؟ هل اخترت بشكل عشوائي؟ أم أنك أردت بعض الرمزيات من البلدان التي مرت بها قصص لاجئيك؟
بلا شك لم يكن الأمر عشوائي، وبلا شك أيضاً فقد كانت الرمزيات حاضرة وبشدة.
لا أعلم إن كنتِ تذكرين قصص العصابات المتطرفة في بلغاريا، التي كانت تجول الغابات على أحصنة، وكانوا يمسكون باللاجئين ويعملون على إذلالهم، كذلك بعض التحقيقات الصحفية التي تحدثت عن اللاجئين القُصَّر في اليونان، الذين يضطر بعضهم لممارسة الجنس مقابل المال، أو سوق بيع العبيد في ليبيا الذي نشرت البي بي سي تحقيقاً عنه، كل هذه الأشياء الوحشية كانت حاضرة في الرواية، كانت حاضرة ببلدانها التي ترمز لشقاء المهاجرين عبر أراضيها.
. هذا عملك الروائي الثاني، فما الذي يختلف به عن الأول؟
العملان ينتميان لنوعين مختلفين تماماً، فبينما ممالك البحر الأحمر هي فانتازيا تاريخية، فإن ثلاثة لاجئين ونصف هي أحداث حاضرة اليوم، حاضرة في ذاكرتنا وفي نشرات الأخبار والتقارير الصحفية وعلى كراسي الأطباء النفسيين في أوروبا حيث يراجعهم آلاف المهاجرين الذين عانوا الأمرين سواء في بلدهم الأم أو على دروب التهجير.
العملان من مدرستين مختلفتين، وحتى اللغة الروائية مختلفة، فبينما في الأولى كانت اللغة قديمة تتناسب مع الأحداث الواقعة ما بين طوفان نوح وما قبل الديانات الإبراهيمية، فإن ثلاثة لاجئين ونصف متحدثة بلسان الشارع اليوم، بتعابيره، وبآلامه كذلك.
. سمعت أنك كتبت ملحقاً لرواية ممالك البحر الأحمر لتساعد القراء على ربط الشخصيات، هل هي بالفعل بهذا التعقيد؟
أحداث هذه الرواية تجري في خمس ممالك متخيلة في حوض البحر الأحمر، ولكل مملكة بالطبع خصائصها وشخوصها، وهذا ما جعل الرواية ذاخرة بالأحداث ومكتظة بالشخصيات والأماكن، وكتابة الملحق كانت بناءً على نصيحة أحد النقاد، كان رأيه أن خلق عالمٍ موازٍ بهذا الشكل يحتاج لرسم تفصيلي لهذا العالم حتى يسهل على القراء تخيله، وهو ما كان بالفعل ابتداءً برسم خرائط هذا العالم وليس انتهاءً طبعاً بالملحق.
. أثناء تحضيرنا لهذا المقال يجري الحديث عن عرض عملكم المصوَّر مؤخراً في برلين “يوميات منفردة” والذي يحمل توقيعك في الكتابة والإنتاج، فما الذي تختلف فيه كتابة الرواية عن كتابة السيناريو؟ وما الذي يدفع الروائي ليقتحم عالم السيناريو؟
أثناء لقائي بأحد المخرجين في أواخر الشتاء الماضي في مطار فرانكفورت قال لي جملة علقت في ذهني:
“إن العمل الدرامي المبني على أعمال روائية غالباً ما يكون أقوى وأكثر تماسكاً وجماليةً”، وهذا هو المبدأ الأساسي الذي يحفزني أنا والكثير الكثير من الروائيين لدخول عالم الصورة، أما عن يوميات منفردة بشكل خاص، فإن العمل هو حواري بحت، يتحدث عن معتقلين في أحد السجون السورية، ويحاول من خلالهما طرح موضوع شائك عايشه المجتمع السوري، ومجتمعات الربيع العربي بشكل عام، والمبدأ واحد في كتابة الرواية أو السيناريو، المبدأ هو طرح الحوادث المرتبطة بأفكار وجزئيات تجري مناقشتها من خلالها، والمختلف هنا بطبيعة الحال هو حالة الانتشار وسرعته وقدرته على الوصول إلى المتلقي.
اقرأ/ي أيضاً: يوميات منفردة.. مسلسل سوري قصير يوثق الكابوس الأسوأ في بلاد الديكتاتوريات
. ما هي الأفكار التي تود نقلها؟ ما هي الخصائص الثقافية التي تحاول مشاركتها مع الجمهور؟
أنا ابن هذا الربيع العربي العظيم، أنا ابن هذا الشارع الثائر، وخريج هذه المدرسة المتمردة على هذه الأنظمة الجاثمة على صدورنا، وبالتالي فإن أفكاري مرتبطة دائماً بهذا الشارع، بآلامه التي يعايشها، برفض الظلم الواقع علينا كأمة، بالتحرر الإنساني، والخصائص الثقافية لأعمالي نابعة من المجتمع العربي الأصيل، العربي الذي لا يرضى الضيم، وخصائص المجتمع السوري على وجه التحديد، المجتمع الملون، الغني بثقافاته وتاريخه وأعراقه ودياناته وطوائفه.
يمكنني القول بأن سوريا الوطن الكبير بأحلامه وآلامه هو المدرسة التي غذَّتني فكرياً، حقيقةً، المدرسة التي علمتني الكثير بهذه الحالة المتفردة التي يلعب النظام والظلاميين على أوتار التفرقة فيها بغية استمرار الوضع الجائر عليها.
. ما الذي تعمل عليه حالياً، مشاريعك المستقبلية في الرواية أو في التلفزيون أو غير ذلك؟
في الرواية هناك عملين قيد النشر، كوكائين تحت ظل الأرزة و حراس برلين، أما في التلفزيون فأنا في أمستردام منذ أيام لتحضير بعض الاتفاقات والتجهيزات لعمل جديد سيتم تصويره في الصيف مع مجموعة نخبوية عربية، سنتحدث عن تفاصيله لاحقاً، ولكنه يحمل الطابع الاجتماعي الثوري بالنسبة لمجموعة من المغتربين عن أوطانهم من عدة بلدان عربية.