مرح مجارسة | شاعرة من سوريا.
أُقلِّمُ طحالبَ كفَّيْكَ
أيها البحرُ الهادِئُ
هل تذكُرُني؟
كنتُ مِقصًّا غريقًا ظنَّ أنَّهُ سمكة..[!!
الوجوهُ تُشبِهُ الأحذيةَ
تغوصُ في الوَحْلِ، وتغرَقُ في بِرْكةِ وهْمٍ
تتجعَّدُ وتُنسَى وتذبُلُ
وأنا أُشبِهُ نفْسي
ألعَقُ الصَّدأَ عن فمي
أبصقُ نارًا في كلِّ حُفرةٍ أقَعُ فيها
أُطلِقُ أصابعي العشرةَ في حُلْمٍ
فترجعُ مَبتورةً
إلى يديَّ!
العَتْمُ المَجنونُ الذي يُقشِّرُ زرقةَ السَّماءِ
هو أبي الأعمى
حينَ يُسَّرِّجُ عصاهُ
ويمشي بين شَظايا مِصباحٍ مَكسورٍ
يبتلِعُ الليمونَ المُتساقطَ من عُيونِ الشَّجرِ
دَمعًا فوقَ وسائدِ الحقل.
ليسَ ليَّ أبٌ يغسِلُني بالقُبَلِ
يزرَعُ زُهورًا في تُربةٍ نهديَّ
ويتظاهَرُ بغضَبٍ لطيفٍ
أمامَ تنُّورتي القصيرة
يراقِبُ طولي ووزني
ويغارُ عليَّ من زعران الحيّ.
/لم يُلبِسْني أبٌ صدريَّةَ المدرسةِ الزَّرقاءِ
ولم أذهبْ مثل كُلِّ الأسماكِ إلى الماء../
لي أبٌ خرَجْتُ منهُ
كما تخرُجُ العذارى من النَّهرِ
ربَّى فوقَ كتفيَّ جدائِلَ عوسجٍ
وحبَسَ غمامَتَهُ بينَ فخذيَّ
علَّمَني ترويضَ الحَمَامِ الخائِفِ
بيني وبينَهُ ثلاثُ دفقاتٍ من الدَّمِ
وليلٌ يرتعِشُ ويطرقُ بابي كُلَّ فجْرٍ
أُخبِّئُهُ في قلبي
ثُمَّ أستيقظُ.
أُولَدُ معَ المَواعيدِ الأُولى فوقَ الجُسور
من رحِمِ حقيبةٍ أنزلِقُ
ببراءةِ الأطفالِ أدوسُ
كُلَّ الرِّجالِ الذينَ أُحِبُّهُم
وأدفنُهُم في الأقبيةِ التي يُعتِّقونَ فيها النِّسيانَ
أُخفي ذاكرتي في شِقِّ الجدارِ
وأتأمَّلُ الأثَرَ الخفيفَ للكُسوفِ
على بشرةِ الشارعِ:
]خُلِقَتِ الشَّوارعُ كي نهرُبَ إليها
مِنَ الوَحشِ الذي يستيقظُ في غُرفِنا المُغلَقة
ويُمزِّقُ لحمَ الجبال[.
أطرُقُ رأسي في التَّوابيتِ، وأبكي
كطفلٍ شيَّعوا ألعابَهُ
وزورقهُ عالقٌ في الوَحْلِ
“إنهُ وقتُ الأشياءِ الجافّةِ كالمَقابِرِ”.
أُراقِبُ مَخاضَ ذُبابةٍ فوقَ صحنِ الحلوى
أمصُّ بقايا الحليبِ من ثَدْيٍ ميتٍ
يتيمةٌ في انتظارٍ طويلٍ
قتلْتُ اليومَ قمري الخامسَ
حينَ أخبرَني أنَّهُ أيضًا
ليسَ أبي..
وأنَّهم لم يَجِدُوا لي اسمًا بينَ المَوْتى
أنا الطفلةُ الوحيدةُ التي تبنَّاها البحرُ
وعاشَتْ عُمْرَها غريقةً.