ريما القاق*
يشكل عام 2015 الذروة في حركة قدوم اللاجئين إلى ألمانيا، أي أن معظم القادمين الجدد مضى على وجودهم في ألمانيا ما يقارب ثلاث سنوات، في حين قدم لاجئون بأعداد أقل في الأعوام السابقة واللاحقة لعام ٢٠١٥.
ولهذا نشهد اليوم كثافةً في الحديث عن نتائج خطط الاندماج على الصعيد الرسمي، حيث يتم التساؤل عن مدى النجاح في تحقيق النتائج المرجوة من هذه الخطط ومصير اللاجئين في ألمانيا.
تكثر أيضاً على الصعيد الشعبي، بين اللاجئين أنفسهم، المقارنات بين شخص وآخر، مدينة وأخرى، بلد وآخر، جوب سنتر وآخر! وتتراوح المواضيع بين الحصول على الجنسية أو الإقامة الدائمة، والإقامات قصيرة الأمد، الحصول على منزل، تعقيدات لمّ الشمل المستمرة في ألمانيا، إيجاد عمل، الزواج، الاغتراب وما يترتب عليه من ضغوطات، التقديم لجواز سوري، ومحاولات الهجرة المعكوسة.. إلخ. والمؤسف أن معظم هذه المشاكل ما تزال عالقة عند عدد لا يستهان به من القادمين الجدد.
اللغة الألمانية وعقدة الـB1
يخوض جميع القادمين الجدد تجربة تعلم اللغة الألمانية بشكل إلزامي، ما عدا المعفيين صحياً. تختلف نتائج كل شخص بحسب عدة عوامل كالعمر، الخلفية الأكاديمية والثقافية، المعرفة بلغات أخرى، الرغبة بالتعلم، الطموح للحصول على عمل أو دراسة.. ومن المثير للاهتمام انتشار عقدة شهادة B1 على صعيد واسع، فعند الوصول إلى امتحان الـB1 نلاحظ ثلاثة أنماط رئيسية وهي:
- من ينجح في هذا المستوى ويجد منحة ليتابع الـ B2 أو يشق طريقه العملي.
- من يرسب في فحص الـB1 ويعاني من عقدة لا حل لها.
- من يرسب في فحص الـB1 متعمداً بناء على نصيحة رائجة بين الكثيرين بأنه من الأفضل إعادة الكورس مرة أخرى.
أسباب التوقف عند مستوى الـB1
يغطي الجوب سنتر في ألمانيا تكاليف تعليم اللغة إلى مرحلة B1 بشكل أساسي، ثم يطالب اللاجئ بالعمل أو التدريب المهني أو العملي. يمكن إكمال دورات اللغة بعد هذا المستوى على حساب الجوب سنتر، لكن بشروط مثل الحصول على منحة أو الرغبة بالتعلم في الجامعة أو التسجيل في التدريب المهني، وبكل حال على الجوب سنتر الموافقة على هذا الطلب. في بعض الحالات يلزم الجوب سنتر اللاجئين بالعمل بعد الانتهاء من B1، وهذا من أكثر الأسباب انتشاراً للرسوب المتعمد والتحجّج باللغة، فالكثيرون لا يجدون في عروض العمل المقدّمة من الجوب سنتر فرصاً مناسبة لهم ولطموحهم.
وقد يتعمّد البعض الرسوب في امتحان B1 لأنه يشكل نقطة المواجهة الواقعية الأولى مع المجتمع الألماني، بعيداً عن شبكات التواصل الاجتماعية المؤلفة من الأصدقاء والأقارب والعائلات، وخصوصاً في المدن الكبرى حيث توجد مجتمعات حقيقية موازية تتحدث اللغة العربية.
يرى آخرون أن مستوىB1 غير كاف للعمل ويجب إكمال المستويات اللاحقة، غافلين عن أهمية الاحتكاك العملي اليومي في تحسين اللغة إلى حد كبير. بل يمكن القول، إنه من شبه المستحيل إتقان لغة دون ممارستها ضمن مرحلة التعليم أو بعدها.
على صعيد آخر، تستمر القوانين حتى اليوم بالضغط على اللاجئين وتساهم في عدم شعورهم بالاستقرار، مما يجعلهم يفقدون الحافز للدراسة. فالبعض يحصل على إقامة ثانوية لمدة سنة واحدة، والبعض الآخر يعيش بعيداً عن عائلته مشتّت الذهن غير قادر على التركيز. كما يترافق الحديث عن الترحيل، وخطط الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في إعادة السوريين، مع صعود اليمين المتطرف وتراجع حركات الترحيب باللاجئين، مما يضاعف الخوف والضغط النفسي، ويقلل القدرة على التركيز والدراسة، وبالتالي يصّعب إمكانية التقدم في اللغة.
فرصة لم الشمل الضائعة
لكن رغم كل تلك الظروف، تثير عملية الرسوب عمداً الاستعجاب، فكيف يمكن أن يتم إهمال عامل الزمن بهذه البساطة؟ فعلى أي شخص أن يسابق الزمن للحصول على مستوى معين من اللغة ليبدأ مشواره الأكاديمي أو العملي. قد يفوت البعض أنه على الرغم من منع لمّ الشمل في حالات إقامات الحماية، يحق لأي شخص أن يقدم ويستكمل طلب لم الشمل في حال مباشرة العمل، ومقدرته على تغطية تكاليف الشخص أو الأشخاص الذين يطلب لمّ شملهم. قد يبدو الأمر صعباً في البداية لكنه ليس بمستحيل. ومع مرور هذه السنوات، قد يكون الآن هو الفرصة المناسبة لمواجهة الذات، فالكثير من القوانين لا يمكن لنا أن نغيرها أو نتجاوزها، لكن بأيدينا بالتأكيد أن نجد حلولاً لتجاوز هذه المرحلة المفصلية، فتعلم اللغة والعمل هما الضمان والحماية من الترحيل، والخطوة المفتاحية التي قد تتبعها باقي الخطوات بسهولة أكبر بكثير.
خاص أبواب
اقرأ أيضاً للكاتبة: