رضوان اسخيطة*
في بلد مثل سوريا تنحصر القوانين التي يتم العمل بها في المحاكم بأمور مدنية وجزائية وشرعية، وإن شملت الكثير من القضايا المختلفة، إلا أن كلمة “محكمة” تظل حكراً على الأمور ذات الأهمية ولا يمكن تصور أن المحكمة ستضطلع بقضية تتعلق بضرر أحدثه طفل مثلاً لباب سيارة تقف بجوار بيته، أو قضية شاب يافع استعمل حاسبه لتحميل أغنية من موقع غير نظامي فانتهك حقوق ملكيتها أو استعمالها!
وقد ظلت المحاكم السورية بمنأى عن ذلك النوع من الادعاءات بالرغم من التطور الحاصل في العالم التقني والحقوقي، نظراً لطبيعة المجتمع العربي والسوري الذي قد تحلّ المسامحة والتقاليد الاجتماعية الكثير من الأمور بين أفراد المجتمع، ناهيك عن كون حقوق الملكية الفكرية تقع في أسفل القانون السوري من حيث عدد الدعاوى، ولا يتوافر فعلياً في سجلات المحاكم وقوانين البلاد ما يشجّع أصحاب الملكية الفكرية على هذا النوع من الدعاوى.
كثير ممن أتوا إلى ألمانيا أو الدول الأوروبية وقعوا في فخ القوانين التي تختلف في بعض الأحيان جذرياً عن قوانين بلادنا، بل وتشمل الكثير من التفاصيل التي لم نكن نعير لها شأناً في بلادنا. هذا مرده لاختلاف طبيعة المجتمع الذي يقبع فيه المواطن الأوروبي منذ نشأته تحت مظلة الخوف من استغلال الغير لأي تصرف إرادي أو غير إرادي قد يبدر منه، فيتم استغلاله للحصول على تعويض قد ينهي حياته المالية في بعض الحالات.
عملياً تعتبر مشكلة تحميل الأفلام والميديا التي اعتدنا على مجّانيتها الوهمية في بلادنا أكثر المشاكل تكرراً مع الوافدين الجدد. يجلس أحدهم في بيته مع الكثير من وقت الفراغ في بداية مشواره في الغربة، ويبدأ البحث عن أحدث الأفلام في مواقع القرصنة أو التورنت. من خلال اطلاعي على حيثيات بعض المشاكل التي تعرض لها بعض القادمين الجدد في هذا الصدد وجدت خلف هذه القضايا مكاتب لمحامين تم انشاؤها لهذا الغرض، لتقوم من خلف هذه المواقع بجمع عناوين MAC الخاص بأجهزة الهاتف أو الكومبيوتر المستعملة في تنزيل الأفلام أو الميديا، ومراسلة مزوّد الخدمة للكشف عن بيانات الشخص ومراسلته ودعوته للمحاكمة وفقاً لقانون الملكية الفكرية Urheberrechtsgesetz .
من الأمثلة الأخرى الشائعة أيضاً ما يسمى بالإضرار بالممتلكات الخاصة بالغير، خصوصاً التي يسببها الأطفال في معرض لعبهم أو تصرفاتهم اليومية. حيث أن إحداث خدش في سيارة أحدهم يعتبر أمراً لا يلزم التوقف عنده في بلادنا، في حين أنه أمر قد يصل للمحكمة مع تعويض برقم من فئة الأربع خانات في ألمانيا. والحل هنا بالنسبة للكثيرين هو إبرام عقد التأمين المسمى Haftpflichtversicherung.
هذه المواضيع ومواضيع أخرى مشابهة سبّبت الكثير من المشاكل والضغط للقادمين الجدد، كونهم في أغلب الأحوال ليسوا على دراية بها، وكون أمورهم المادية في بداية حياتهم الجديدة لا تسمح لهم بدفع مبالغ طائلة مقابل تلك المخالفات أو الانتهاكات.
بالإضافة لكون اختلاف العقلية والطبيعة القانونية للبلدان الأوروبية أحد أهم الأسباب التي تجعل القادمين الجدد يقعون في هذا النوع من المشاكل، كذلك فإن المواطن الأوروبي يعي تماماً هذه المخاطر وتراه في الغالبية العظمى قد أبرم تأميناً يدفع عنه تكاليف المحاكمة، في حال كان متضرراً أو مسبباً للضرر، وهذا النوع من التأمين Rechtsschutzversicherung يزيد من حجم هذه المشاكل كون المواطن الأوروبي لا يتردد في الاستعانة بمحامي حتى فيما نعتبره صغائر الأمور، مما يجعل الطرف الآخر (القادم الجديد) في وضع أضعف كونه بالغالب لا يعي أهمية إبرام هذا النوع من التأمين.
كنتيجة لكل ذلك، ربما كان علينا تغيير بعض من سلوكياتنا وأنماطنا القانونية في الحياة ضمن أوروبا لنأمن مغبة استغلالنا أو وقوع بعضنا في براثن الدعاوى القانونية التي لم نألفها في بلادنا.
*المحامي رضوان اسخيطة. ماجستير في القانون جامعة يوهانس غوتنبرغ ماينز ألمانيا
اقرأ/ي أيضاً: