حنان جاد*
في وسط مدينة “بارك ريدج” القريبة من شيكاغو وضع مدير إحدى شركات الرهون العقارية أوعية من ستانلس تيل نظيفة ولامعة ومملوءة بالماء على جانب الطريق لكي تشرب منها الكلاب. الرجل طبع صورته في قعر الصحن وعنوان شركته على جانبه كنوع من الدعاية، تلك المرة هي الأغرب لكنها ليست الأولى التي أرى فيها بائعاً يجتذب الزبائن عن طريق التقرّب من كلابهم.
في العام 2009 غضبت “رقية” ابنة الرئيس الراحل “أنور السادات” من الفيلم الأمريكي (أحبك يا رجل) لأن بطل الفيلم سمّى كلبه “أنور السادات”، فالكلب يشبه الرئيس الراحل حسب الحوار الذي دار في الفيلم. محامي “رقية أنور السادات” أكّد أنه سيرفع دعوى أخرى ضد الفيلم في أمريكا، ولا يبدو أنه فعل، وحتى لو كان قد فعل فلم يكن ليجد بسهولة من يفهم سبب غضبه.
صديقتي السورية التي تعيش في أمريكا منذ زمن لم تغضب عندما اقتربت امرأة أمريكية من عربة رضيعها وقالت لها بمودة خالصة: “ابنك جميل جدا؛ يشبه كلبي”. الكلاب هنا ليست كالكلاب التي نعرفها في عالمنا العربي، ولا تعيش عيشة الكلاب!
فأصحاب الكلاب من الأمريكيين يمشون يومياً خلف كلابهم مهما كانت حالة الطقس (من عشرين درجة تحت الصفر شتاء حتى ما فوق الأربعين درجة صيفاً)! ينتظر الأمريكيون بصبر كلابهم وهي تتشمّم الأرض أو تدور حول الأشجار، ينتظرون حتى يتبرز الكلب، بعدها ينحني صاحبه بوقار ويده داخل كيس بلاستيك، يحمل الخراء ويقلب الكيس، يعقده ثم يرميه في سلة نفايات خاصة. ممثل كوميدي تساءل مرة: (لو أن مراقباً من الفضاء الخارجي يشاهدنا، من سيظن أنه السيد؟ الذي يتبرز أم الذي يحمل خرائه؟!).
حوالي 80 مليون كلب يعيشون داخل البيوت الأمريكية، حسب تعداد العام 2017. تعداد دقيق تموّله المؤسسات التي تتربح من هذه الكثافة السكانية الكلابية واحتياجاتها اليومية. فقائمة الاحتياجات الكلبية طويلة جداً من طعام، فرش، طبابة، شامبو، كولونيا وشكولاتة، وكذلك كنزات صوفية، كريمات حماية من الشمس، فيتامينات وأحذية، ولا ننسى محلات الحلاقة، مراكز السبا، الفنادق والتاكسي. هناك وظائف خدمية تخصّ الكلاب أنقذت ملايين البشر من البطالة، مثل وظيفة مجالسة الكلاب ووظيفة تمشية الكلاب، عدا عن التخصصات الأكثر تعقيداً مثل تدريب الكلاب، وفهم سيكولوجياتها، وكتابة الأعمدة في صفحات الحيوانات الأليفة التي تحتل أهم الصحف.
ثمة إعلان تلفزيوني يتكرر كثيراً في بعض محطات التلفزيون الأميركي، يعرض صوراً حزينة لكلاب تعرّضت للإساءة، والإعلان يدعو العائلات الأميركية إلى تبنيها. يلحّ طفلاي في طلب تبني كلب من هؤلاء، أقترح عليهما بصدق أن يتبنياني أنا، أنا أيضا تعرضت لإساءات. يقول ابني: ولكنك لست (كيوت). ربما، لكن هل يفسر ذلك الشغف الأمريكي بالكلاب؟ أنها كيوت؟
اقتناء الكلب يطلق عليه في أمريكا (تبني)، والكلاب يشار إليهم بكلمة (الأولاد)، وهم أفراد العائلة ذوو الفراء. فيما تواصل الثقافة الأمريكية التمدد في هذا الاتجاه إلى ما لا نهاية، كما تواصل أنسنة الكلاب. فيفتح المجتمع الأمريكي باب اللجوء أمام الكلاب التي تتعرض للإساءة في كل مكان في العالم. بائعو الكلاب لا يحبون الكلاب اللاجئة ولا المؤسسات التي تشجع على جلبها وتبنيها لكن الناس تتعاطف، وتتأثر بدعايتها. لكن تجارة الكلاب في النهاية لا تمثل أكثر من جزء من كعكة استثمار هائلة توفرها الحيوانات الأليفة وعلى رأسها الكلاب. فحجم الإنفاق على الحيوانات الأليفة في أمريكا بلغ في العام الماضي أكثر من 69 بليون دولار. 29.7 بليون دولار طعام، 15.11 بليون دولار مستلزمات صحية، 17.7 بليون دولار رعاية بيطرية، 2.1 بليون دولار مشتريات 6.16 بليون دولار خدمات. لذلك تتابع الإحصاءات السنوية دائماً التأكد من وجود كلاب في الملاجئ تكفي لتلبية احتياجات الطلب الأمريكي.
خاص أبواب
*حنان جاد – صحفية مصرية مقيمة في أميركا
اقرأ/ي أيضاً للكاتبة: