in ,

الطريق إلى قلب المرأة يمكن أيضاً أن يبدأ من المطبخ

الطبخ مهنة تختصر ثقافات الشعوب

في البداية، استمالني المثل الشائع (الطريق إلى قلب الرجل يمر من معدته)، لكنني اكتشفت مع الزمن أن الطريق إلى قلب المرأة يمكن أن يبدأ من المطبخ أيضاً، فلم يعد الطبخ حكراً على السيدات وخاصة بعد موجة الاغتراب الأخيرة عن الوطن.

عندما يسافر المرء ويتغرب عن بلده يحمل معه وصفات الأكل التي أحبها مع ذكريات الأم والجدة والعائلة. ويمكن لهذا الأمر أن يكون وسيلةً للتعرف على أشخاص جدد ودعوتهم إلى تناول الطعام وتحضير الوصفات، وفتح الطريق لبناء علاقات جديدة.

واليوم سنتحدث عن إرث المطبخ السوري وثقافته، حيث تتنوع الموائد على امتداد الأرض السورية، بشكلٍ يعبر عن غنى الموروث الثقافي لكل منطقة، ويتجسد في تنوع الأكل واختلافه من شمال الوطن لجنوبه ومن شرقه لغربه.

فكل منطقة تضفي من منتوجها الخاص على مكونات الأكل، مما يميزها عن المنطقة الأخرى، فتجد الطبق السوري الواحد يختلف من مكان لآخر مع الحفاظ على مكوناته الأساسية، ومثال ذلك أكلة (الكبة السورية)، التي تحضر أصلاً من البرغل واللحم الأحمر. ولكنك ستجد ما يفوق المئة نوع من الكبة تُصنع بطرق وأساليب مختلفة.

وبحسب طريقة التحضير البدائية البسيطة:

بعض أنواع الكبة

يقطع اللحم ويوضع في الجرن الحجري الذي كان يوجد في كل بيت تقريباً ويُدقّ بمدقة خشبية (الميجنة) حتى تتحول اللحمة الى كتلة طرية ومتجانسة، ثم يتم خلط اللحم مع البرغل المغسول والمصفى ويُعجن جيداً مع البهارات، ثم تؤخذ منها القطع و(تكبكب) ثم تحشى باللحم المفروم والمقلي مع البصل والمكسرات من الجوز والصنوبر، وبعدها تُقلى بالزيت أو توضع في اللبن المطبوخ لتصبح (لبنية).

سنبدأ جولةً بسيطة على المطبخ السوري حسب مدنه ومناطقه، ونبدأ رحلتنا من المطبخ الحلبي:

حلب هي أكبر مدن سوريا وبلاد الشام وأقدم مدينة في العالم، مرت عليها حضارات كثيرة كالآرامية والآشورية والرومانية والبيزنطية والإسلامية.

وإلى جانب قلعتها الشهيرة، تكثر في حلب الشهباء الأسواق القديمة ومنها سوق خان الحرير لتجارة الأقمشة، وخان الشونة للصناعة اليدوية والحرفية، وسوق العطارين، وخان الصابون والكثير غيرها.

ويعد المطبخ الحلبي الأشهر في بلاد الشام من حيث مأكولاته المتنوعة والغنية بالنكهة، حيث يتمازج المالح والحامض والحلو، كما في كباب الكرز الذي يستخدم فيه الكرز الحامض ويسمى كرز الوشنة المطبوخ مع السكر لكسر الحموضة، بالإضافة إلى الكباب المشوي على الفحم.

كباب الكرز

ويقدم الكباب بالكرز على طريقة الفتّة باستخدام الخبز كأساس لقطع كباب اللحم وصلصة الكرز، وتزين وتنكّه بالقرفة الناعمة والبقدونس والصنوبر. هناك أيضاً الكبة السفرجلية، يستخدم فيها السفرجل واللحم، والكبة التفاحية، واللحمة بالفرن والتي يدخل في تركيبتها الكرز والتفاح الحامض.

محشي الكوسا والباذنجان
محاشي

ويُعرف عن حلب المثل الشعبي (حلب أم المحاشي والكبب وأم المعالي والرتب)، والمحاشي في حلب متنوعة وعديدة ومنها: محشي الكوسا والباذنجان القرع ـ اليقطين (سلطان المحاشي) بنوعيه السلاحي: الذي يشبه العصا الغليظة القصيرة، ويسمى في حَماة “الخفيف”؛ والشتوي وهو الضخم الأصفر المدّور ويسمّونه: الرومي، تعمل منه القرعية بحمض أو بلبن مع الكبّة فيهما. وهناك أيضاً محشي العجور والجزر والبندورة والفليفلة الفرنجية والكماية وأيضاً محشي الأرضي شوكي، ولا ننسى شيخ المحشي ويالانجي ضولمه المأخوذ من تركيا.  واليبرق والسلق والملفوف والبصل ونحوها. كما تُحشى القبوات والكرش أيضاً.

ننتقل إلى دمشق

أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ، يطلق عليها الفيحاء، الشام، ومدينة الياسمين. يحيط المدينة القديمة سور دمشق القديم وتتخلله أبوابٌ سبعة، وكل باب يرمز لأحد الكواكب.

يتميز المطبخ الشامي بأكلات اللبن المائلة قليلاً للحموضة حيث تضاف إليها القشطة كالكبة اللبنية، الشاكرية، شيش برك، كوسا باللبن. ولابد من الإشارة إلى المأكولات ذات الأسماء الطريفة مثل:

الباشا وعساكره أو “داوود باشا” وسميت كذلك لأنها وجبة مكلفة وتنسب للباشاوات.

داوود باشا

“حراق إصبعو”

 

جراق اصبعو

وتتكون من العدس والمعكرونة أو العجين وقد يضاف إليها السلق والكوسا وتطبخ بمرق حامض، وتزين على الوجه بالبصل والخبز المقلي والكزبرة الخضراء والثوم وحب الرمان. وهي تتطلب جهداً وزمناً طويلاً لطبخها.

(الأوزي الشامي):

الأوزي

وهي عبارة عن صرر من رقائق العجين، تُحشى بالبازيلاء والرز واللحم، وتدهن بالسمن، وتشوى بالفرن.

ولاننسى الفتات الشامية، فهي حاضرة دائماً على الموائد الدمشقية، مثل الفتة بـالبدوة، والفتة بالزيت ويتناولها الدمشقيون في أيام الجمعة وعلى موائد الإفطار في شهر رمضان، إضافةً إلى فتة المكدوس.

ومن المأكولات المشهورة في دمشق أيضاً السجقات، القباوات، المقادم و”القشة” أو “حباشات الخروف”، وهي من الأكلات المجهدة جداً وسميت بهذا الإسم لأنها لا تبقي من الخروف شيء إلا ويؤكل.

ردحة أمثال شعبية بين المطبخين الحلبي والدمشقي:

دب الخلاف المطبخي بين سيدة شامية تدعى أم سعيد، وجارتها الحلبية أم بكري:

أم سعيد الشامية: مو كل من صف صواني صار حلواني..

أم بكري بلهجتها الحلبية: أشو خيتو، كنك ما سمعانة حلب أم الطرب والمحاشي والكبب وأم المعالي والرتب؟.

ترد الأخرى: لواه لواه يخنة وأطبخ والجارية تنفخ، والولد ع الباب يقلع الكلاب. “المقصود هنا أن أكلة اليخنة تحتاج إلى السخاء باللحم بعظمه حيث تقف الكلاب أمام الأبواب تنتظر حصتها.”

أما أم بكري فتعبر عن السخاء والكرم بقولها: دهن الكبة السمائية للركب، وكل شرئة بمية ورئة، وبعدين سيران الشوام مقالي وسيران الحلبية مشاوي.

تنتهي المبارزة المطبخية وتجلسان معاً ليرددن “حلبي كان ولا شامي، بالآخر الأكل سوري”، وتردد أم سعيد الشامية: “اسمك ياشهبا بالدهب انكتب”، تتبعها أم بكري “ع الصالحية ياصالحة”.

حمص:

وهي من المدن السياحية المتنوعة جغرافياً وتاريخياً وثقافياً، حيث تقع في المحافظة مدينة تدمر الأثرية وقلعة الحصن ووادي النصارى، ويمر منها نهر العاصي.

يتميز المطبخ الحمصي بلمساته الخاصة التي يضيفها على مأكولات دمشق وحلب ليصبح لها نكهة حمصية متميزة، فالكبة الحمصية لا مثيل لها سواء كانت مشوية، مقلية أو كبة لبنية. ومن المأكولات السهلة رغم غرابة اسمها: “المعقدة” وقوامها الطماطم الطازجة، مع أو بدون لحم.

لكنّ أكثر ما يميز حمص هو حلوياتها المتنوعة، ويتم الاحتفال بخميس الحلاوة في الخميس الثاني من شهر نيسان من كل عام. وتحضر الحلويات المميزة لهذه المناسبة وأشهرها:

الحلاوة الخبزية: وتكون على شكل أقماع ومخاريط ملونة باللونين الوردي والأبيض.

الحلاوة الخبزية
خميس الحلاوة
البشمينة

البشمينة: المصنوعة من الطحين والسكر والسمن، والحلاوة السمسمية والفستقية والملبن وحلوى بلاط جهنم بألوانها الأحمر والأبيض والأصفر، والكثير من الأصناف الأخرى. وفوق هذا وذاك حلاوة الجبن الحمصية.

مدينة أبي الفداء حماة

جارة حمص على نهر العاصي بنواعيرها الشامخة، وطبيعتها الخلابة، يمتاز مطبخها بأصنافه التراثية القديمة التي تبلور هويتها الثقافية والفلكلورية وأهمها: الباطرش الحموي وهو من المقبلات الشهية، والعدس بحصرم، عش البلبل، والكبة الحموية والسختورة. وتشتهر المدينة باللبن الرائب الدسم والكثيف المصنوع بطريقة خاصة من حليب الغنم كما أن حماه تشتهر بصنع ألذ أنواع الأجبان في سورية.

حلاوة الجبن

ومن أصناف الحلويات الشهيرة في حماه: الهيطلية الحموية التي تصنع من الحليب والنشاء، ولا ننسى حلاوة الجبن التي تعود أصولها للمدينة، والتنافس الحمصي الحموي عليها.

ننتقل إلى اللاذقية على البحر الأبيض المتوسط

من أوغاريت على المتوسط ظهرت الأبجدية الأولى في التاريخ، ومن الحضارات التي عاصرتها المدينة: الرومانية والبيزنطية.

يعتمد مطبخها على البساطة وطبعاً كأي مدينةٍ ساحلية تتميز بمأكولاتها البحرية المتنوعة وأشهرها “الصيادية” وهي أكلة ذات أصول إسبانية انتقلت إلينا عبر البحر، و”السمكة الحارّة” حيث تملح السمكة ويضاف لها التوابل وورق الغار وشرائح الليمون، وتنقع لفترة قصيرة ومن ثم تشوى على الفحم، ويمكن أن تشوى في الفرن، تحضر الصلصة من البصل والثوم والفلفل الحار المقلي بالزيت، ويضاف إليها الكزبرة البندورة والبقدونس، تسكب الصلصة فوق السمكة في صحن التقديم وتزين بشرائح الليمون.

 

طريقة تحضير الصيادية:

الصيادية

تتبل السمكة بالكمون والملح والزعفران، تقلى بالزيت ويضاف إليها البصل، ثم يملأ القدر بالماء ويترك حتى الغليان. يؤخذ القليل من المرق لتحضير الصلصة، ونضيف الأرز في القدر مع بعض التوابل.

إعداد الصلصة: نذيب الزبدة ونخلطها مع الطحين جيداً، ثم نضيف مرق السمك المتبقي ونحركه جيداً، نترك الخليط حتى يغلي ويتماسك. يزين الأرز بالبصل المقلي، وتسكب الصلصة في صحن جانبي.

وتنتشر في المدينة أيضاً المحمرات المخبوزة في أفران التنور، والخبز المشروح.

من أهم حلويات المدينة:

الجزرية
المعمول بجبن
الكرابيج

 

 

 

 

 

 

معمول الجبن مع السكر المطحون، الكرابيج وهي مصنوعة من السميد والسكر والسمن على شكل دوائر، ويضاف فوقها كريما الناطف، والجزرية، حيث يعتقد البعض أنها مكونة من الجزر فقط، وفي واقع الأمر أنها مكونة من القرع الأحمر والقليل من الجزر والسكر وبعض التوابل مثل جوزة الطيب، الزنجبيل والقرنفل، بالإضافة إلى الجوز والفستق الحلبي.

تحضير الجزرية:

الجزرية

يقشر ويقطع القرع إلى قطع صغيرة ويسلق مع الجزر لمدة ساعة، ثم يوضع في كيس من القماش ويكبس حتى يصفى الماء منه بالكامل،

نضع في قدر، الماء والسكر ونتركها حتى الغليان، نضيف القرع المصفى والمهروس، ويترك حوالي ساعة ونصف، ثم نضيف التوابل ونحركها ثم نسكبها في قوالب، تزين بالمكسرات حسب الرغبة.

هناك أطباق سورية أخرى كثيرة، تقليدية وبسيطة تقاوم الحداثة والوجبات السريعة. وسنستعرضها في العدد القادم.

عمار أسد

اقرأ أيضاً:

دليل المواد الغذائية الأساسية في ألمانيا ونصائح مجرَّبة الجزء الثامن (الخبز)

دليل المواد الغذائية الأساسية في ألمانيا ونصائح مجَّربة – الجزء التاسع (الشاي)

دليل المواد الغذائية الأساسية في ألمانيا ونصائح مجَّربة – الجزء العاشر: الفورست الألماني

الرسم على الموت، ماذا لو كانت القذائف كلها هكذا؟

ما سبب ارتفاع عدد المسلمين الذين دفنوا في ألمانيا؟