حنان جاد. كاتبة مصرية مقيمة في أمريكا
“لقد ذهبنا بعيدا في ارتداء الكمامات وإغلاق منافذ الاقتصاد، لا داع لكل ذلك. لأن العلاج موجود وفعال وسريع بل فوري.”
هذا ما قاله رودي جولياني محامي ترامب السبعيني لراديو نيويورك بعد خروجه من المستشفى عقب تناول جرعة واحدة شافية من كوكتيل الأجسام المضادة (دواء كورونا السحري). يفترض أن ترامب أول مريض كورونا يعالج بهذا الكوكتيل بشكل “تجريبي”. من الصعب تصور طبيب في المستشفى العسكري يقبل بتجربة دواء على الرئيس الأمريكي؟
النتائج بدت سريعة ومذهلة وغير تجريبية بالمرة. ترامب بشر بالدواء السحري الذي شعر بعده انه أقوى حتى مما كان. قال ترامب إن الكوكتيل سيحصل على موافقة هيئة الغذاء والدواء ثم يصبح متاحا لكل أمريكي. حصل الكوكتيل على موافقة هيئة الغذاء والدواء لكنه لم يصبح متاحاً. عرفنا من نشرات الأخبار أن من تناولوا هذا العلاج قبل ترامب يعدون على الأصابع دون أن نعرف من هم، وأصابع من التي كانت تقوم بهذا العد. ثم عرفنا أن ثلاثة من أصدقائه المقربين آخرهم جولياني حصلوا من بعده على الكوكتيل وتعافوا فورا.
337 ألف جرعة متوفرة حالياً في عموم أمريكا من هذا الدواء، هذا العدد يساوي تقريباً عدد الإصابات الجديدة يومياً. الأخبار تقول إن الحكومة الفيدرالية وزعت الجرعات القليلة المتاحة على الولايات، والولايات وزعتها على المستشفيات، معايير أحقية تناول الكوكتيل واسعة وتنطبق على عدد هائل من المصابين، لذلك أضافت بعض الولايات قوائم بترتيب من له الأولوية. ولايات أخرى أخضعت العملية للقرعة. بعض الولايات نقلت الجرعات إلى مستشفيات الأرياف حتى تبعدها عن الازدحام في العيادات الخارجية وغرف الحالات الطارئة في المدن المكتظة بكل أنواع المرضى لكن هذا أبعدها أيضاً عن تناول الأقليات العرقية.
اقرأ/ي أيضاً للكاتبة: نصف الكوب.. الرابط العجيب
يحتوي الكوكتيل السحري على خلايا أحادية لأجسام مضادة مأخوذة من الفئران ومن أجنة بشرية أجهضت عمداً، الأجنة التي تجهض بشكل طبيعي لا تصلح بسبب هشاشة مناعتها، العلاج معروف ومستخدم منذ عام 1985، وهو يقوم عملياً بتحفيز جهاز المناعة لدى المرضى لمواجهة المرض، ونجح في مداوة أمراض عديدة منها السرطان. وبسبب نتائجه المبشرة تتواصل التجارب على الخلايا الجذعية للأجنة البشرية التي يعارضها المحافظون المتدينون، ويعارضها ترامب الذيدواء كورونا السحري أوقف بالفعل التمويل الفيدرالي الخاص بها قبل عامين. تبلغ تكلفة الجرعة 100 ألف دولار أمريكي تقريباً، تتحملها ميزانية الحكومة لكن لا أحد يعرف لمن تدخرها.
حديث جولياني لراديو نيويورك قبل أيام أثار حفيظة آلاف الأمريكيين الأقل حظاً منه في الحصول على دواء كورونا السحري. لكن أخبار إجازة هيئة الرقابة على الغذاء والدواء للقاح كورونا غطت على أخبار الكوكتيل السحري، وامتصت جزءًا كبيرا من الحنق والأسئلة المعلقة. الحكومة الفدرالية التي مولت إنتاج اللقاح ستساهم بالدعم اللوجيستي من خلال قواتها المسلحة في عملية نقله وحقنه، ارتفع منسوب الأمل.
لكن، لكي يكتمل الشبه بين حياتنا اليوم وبين الملاحم الأسطورية ثمة شرط صعب للنجاة. لا يمكن القضاء على الفيروس والعودة إلى الحياة الطبيعية إلا عبر الحصول على مناعة القطيع. ذلك يتطلب تلقيح 70% من السكان. المهمة التي يعتقد الكثيرون أنها الأصعب.
ما الذي سوف يحدث عندما يطلب من الناس أن تمد أذرعها لتحقن؟
رغم المعاناة اليومية؛ استطلاعات الرأي الأولى جاءت مخيبة للأمال. القطيع لا يثق بالنخبة، تاريخ طويل مرير وراء هذا الموقف. يبدأ من الدكتور ماريون سميث الملقب (أبو الطب النسائي) الذي اشترى عدداً من النساء الإفريقيات المستعبدات بغرض إجراء تجارب جراحية عليهن. فتح بطونهن مرةً بعد مرة، عشرات المرات دون تخدير توفيراً للنفقات. وعندما تمكن من أسلوبه ومن أدواته أنشأ أول مستشفى للعلاج الجراحي لأمراض النساء البيضاوات، طبعاً هذه المرة استخدم التخدير.
العديد من التجارب أجريت على المساجين دون علمهم لإنتاج كريمات ومساحيق. فضيحة مرضى الزهري من أصول أفريقية في السبعينيات لاتزال في الذاكرة الحية، عندما كشفت الصحافة عن إعطاء المرضى دواء وهمياً على مدى أربعين عاماً لكي يتمكن الباحثون من تتبع تطور المرض على المدى الطويل. هذا العام فقط شهدت شرطية تعمل داخل مؤسسات احتجاز المهاجرات غير الشرعيات باحتمال تعرض النساء هناك لعملية منظمة لإزالة الأرحام دون داعٍ طبي.
الحكومة بدأت بالفعل في تمويل حملة لدعم ثقة المواطنين في اللقاح، أوباما وبوش وكارتر سيتلقون جرعاتهم أمام الكاميرا. هذا لن يكفي على الاغلب لإقناع العدد المطلوب. الزمن تغير، لا يمكن إرغام الأمريكيين على تناول اللقاح. ربط تناوله بالسماح بالعمل يمكن تحديه بسهولة أمام المحكمة الدستورية.
آخر الاقتراحات كانت منح كل مواطن يتناول اللقاح 1500 دولار. المبلغ يبدو كبيراً لكنه أرخص من الخسائر اليومية للاقتصاد المغلق، وتعويضات البطالة، وأرخص من الكوكتيل.