حنان جاد – صحفية مصرية مقيمة في أمريكا
عندما سأله المحقق إذا ما كان قد توقف ذات يوم أمام حاجز خاضع للجماعات المتطرفة واضطر إلى دفع أموال مقابل المرور، فتش في ذاكرته بدقة وأجاب بعفوية: لا.
المحامي لم يناقش الأمر معه من قبل، كم سوري حالفه الحظ لكي يتجنب دفع رسم مرور على طرق خضع معظمها في وقت من الأوقات لواحدة من الجماعات المقاتلة! محافظات كاملة خضعت لتنظيم الدولة وجبهة النصرة. أخبره المحامي بانه تفادى رصاصة عندما أجاب بلا، لأن الإجابة بنعم ربما أدت إلى ترحيله.
لا يفترض القانون الأمريكي أن كل سوري يستحق اللجوء، السلطات الأمريكية تنظر أسباب كل حالة لجوء على حدة، وتطلب من كل لاجئ أن يروي قصته بأدق التفاصيل. مهما كانت ظروف البلد التي أتى منها اللاجئ لابد أن يثبت أنه واجه شخصياً تهديداً مباشراً لحياته أو حياة أفراد أسرته، في نفس الوقت يحرم القانون الأمريكي من قام بتقديم دعمٍ ماديٍ للجماعات الإرهابية من حق اللجوء. وهو أمر يبدو معقولاً حتى تكتشف ما المقصود بعبارة (الدعم المادي) وكيف تركت مفتوحة على مصراعيها بغض النظر عن أي ملابسات أو ظروف، وكيف يتحول بمقتضى هذا القانون؛ ضحايا الإرهاب بالذات إلى متهمين بدعم الإرهاب.
فتحت صحيفة نيويوركر مؤخراً تحقيقاً حول قانون (الدعم المادي للإرهاب)، بحسب الصحيفة يجرم هذا القانون تقديم أي نوع من المساعدة المادية، بعلم أو دون علم، حتى لو كان الدعم قدم قبل أن توصف تلك الجماعة رسمياً بالإرهاب، وحتى لو كانت تلك الجماعة في وقت من الأوقات حليفاً للجيش الأمريكي أو مدعومة من الحكومة الأمريكية!
ويعني القانون ببساطة أنك لو تحت التهديد اضطررت لغسل ثياب إرهابي، لو افتديت ابنتك المخطوفة بمبلغ مادي، لو اشتريت مازوت من جماعة تنظيم الدولة لكي تتجنب الموت برداً في شتاء كانت بلدتك خاضعة فيه لحكمهم فقد قدمت مساعدة مادية لجماعة إرهابية!
حكايات اللاجئين المتضررين من هذا القانون التي تفردها النيويوركر لا تصدق، امرأة من السلفادور اختطفتها الجماعات اليسارية أثناء الحرب الأهلية واستخدمتها مع نساء أخريات في أعمال التنظيف والطبخ قبل أن تتمكن من الهرب واللجوء إلى الولايات المتحدة الأمريكية رفض طلبها لأنها قدمت مساعدة مادية للمتمردين تتمثل في الطبخ والتنظيف!
هندي قدم طعاماً لاجتماعات حضرها أعضاء جماعة انفصالية من السيخ رغم أنه قال إن الاجتماعات كانت لأغراض دينيه تم ترحيله.
عراقي وصل إلى أمريكا بفيزا خاصة لأنه عمل مترجماً للجيش الأمريكي في العراق سحبت منه بطاقة (الجرين كارد) عندما اكتشفت السلطات أنه كان عضواً في الحزب الديمقراطي الكردي الذي صنف مؤخراً جماعة إرهابية.
صياد سريلانكي اشترى حريته من نمور التاميل بالمال رفض طلب لجوئه لأنه دفع نقوداً للتأميل!
المعادلة الأمريكية لقبول اللاجئين بسيطة: لابد أن تكون قد واجهت الجحيم لكن إياك أن تأتي إلينا بأصبع محترقة!
يشتد ويتوسع تأثير قانون الدعم المادي عندما يتعلق بالمنظمات العاملة في مجال المساعدات الإنسانية، فقد اعتاد عمال تلك المنظمات في مناطق النزاع على التفاوض مع الجماعات المسلحة، وأحياناً دفع رسوم عند نقاط التفتيش الخاصة بهم من أجل الوصول إلى المدنيين. العديد من المنظمات غير الحكومية اليوم تتجنب هذا العمل خوفاً من الملاحقة القضائية، الأمر الذي أدى إلى موت الآلاف نتيجة عدم وصول الغذاء والدواء. ويبدو المشهد الذي يخلقه هذا القانون أكثر عبثية مع توقف المنظمات التي كانت تقوم بتدريب نمور التاميل وحزب العمال الكردستاني على حل النزاعات سلمياً عن العمل باعتبار أن هذا التدريب يعد نوعاً من المساعدة المادية لجماعات ارهابية!
قانون الدعم المادي موجود منذ عقود، نادراً ما تم اللجوء إليه حتى أحداث 11 سبتمبر حيث استخدم وقتها في تقديم 450 لائحة اتهام، ثم أصبح مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة يستخدم أحياناً ويتم تجاهله أحياناً، ويبدو أنه ينتعش اليوم وهو يتقاطع مع رغبة الإدارة الحالية في التخلص من أكبر عدد ممكن من اللاجئين.
إقرأ/ي أيضاً:
اللجوء المفتوح للكلاب دون البشر: ربع سكان أميركا من الكلاب!
ميركل: السياسة الإنعزالية للرئيس ترامب لن تجعل أميركا عظيمة
تقارير تكشف أن أميركا تساعد حلفاءها في إخفاء القتلى المدنيين بسوريا والعراق
حظر دخول اللاجئين السوريين إلى أميركا حتى إشعار آخر