صدر عن دار التكوين هذا العام الآثار الشِّعريَّة الكاملة للشَّاعر الإيطالي “دينو كامبانا” الذي ينتمي إلى الجيل الحداثي الأوَّل في إيطاليا، ترجمها إلى العربية الشاعر “أمارجي”، وذلك في كتابٍ واحدٍ من القطع المتوسِّط، جاء في 295 صفحة، وتضمَّن مجموعتين: “أناشيد أورفيَّة”، وهو الدِّيوان اليتيم الذي أعِدَّ للنَّشر من قِبل “كامبانا” نفسه؛ ومجموعة “قصائد غير منشورة”، وتضمُّ القصائد التي عُثر عليها بعد موت الشَّاعر ولم تُنشر إبَّان حياته.
رحل “كامبانا” وهو في منتصف الأربعينيات تقريبًا بعد قضاء وقت طويل في العيادات النفسية حتى قيل إن المرض الذي قتله كان غامضًا ومفاجئًا، ولم يشأ “كامبانا” أن يقاومه ولم يقبل تناول الدواء كي يشفى منه!
وفي المقدمة التي حررها “أمارجي”، هناك نصٌ على نص، فهو لم يشأ التقديم بأسلوب تقليدي نظرًا للأثر الكبير لـ”أناشيد أورفية” في الشعر العالمي بشكل عام، فاختار أن يكتب شعرًا يحاول التناص مع نصوص” كامبانا”، فكان العنوان “وحيدًا في صداقة الأجراس” في فضاءات “كامبانا” وحياته غريبة الأطوار التي سببت له الكثير من المتاعب والسجن والنفي. إنه الشعر الصعب الذي يستمده “كامبانا” من طفولته الأولى، حيث الغبن الكبير الذي لحق به من أمه عندما أهملت رعايته لتعتني بأخيه الجديد “نينو”، تلك العزلة القاتلة والغبن ورّثاه رصيدًا هائلًا من الكره والعدوانية، فكانت القصيدة هي الملاذ الوحيد الذي هرب إليه الشاعر في حياته القصيرة التي لم تتجاوز السابعة والأربعين عامًا، حياة زاخرة مليئة بالمطبات والصعاب والاكتشافات أيضًا وربما لأجل كل ذلك كانت نصوص “كامبانا” شديدة القسوة والإبهام، وتحتاج بالتالي قارئًا صبورًا يقوم بتفكيك النص وترويضه بهدوء وسكينة كي يتمكن من العبور إلى دواخله الكثيرة. لم تكن
تلك النصوص مرتبطة أساسًا بالتشرد عندما خرج الشاعر بلا وجهة محددة يهيم على وجهه ولا يعرف أين هو ذاهبٌ فعلًا. إنها النصوص البكر الموشومة بالعذاب الإنساني وألم العبور والكشف، وبالتالي فإن قارئها لابد أن يكون مسبوكًا من جبلةٍ مختلفةٍ أقل ما توصف بالثمينة.
والشاعر السوري “أمارجي”، صدرت له ثلاث مجموعات شعرية، وقد مُنِعتْ مجموعته الأولى الموسومة بـ”ن” (2008) من النشر في سوريا، وبعد صدورها في لبنان أصدرت الرَّقابة في وزارة الإعلام السورية قراراً بمنعها من التداول في سوريا، وقد تواكبَ ذلك مع قيام السلطات المختصَّة بسحب الكتاب من كثيرٍ من المعارض التي أقيمت في الآونة الأخيرة في دول الخليج العربي.
وعرف عن الشاعر “أمارجي” اهتمامه بالأدب الإيطالي المعاصر ونقله إلى العربية.