حنان جاد. كاتبة مصرية مقيمة في أميركا
دعوة عشاء بمناسبة عيد الشكر وصلتني من صديق سوري متزوج من أمريكية مع تحذير صغير، (حماتي وحماي جايين).
صديقنا قدم حماته في الذكر على حماه لا من باب الإتيكيت بل لأنها مكمن التحذير، المرأة من مؤيدي ترامب والمشكلة ليست في تناولنا نحن الضيوف العرب الطعام على إيقاع دفاعها المستميت عن ترامب وسياساته، أو ترديدها لنظريات مؤامرة حمقاء وتصور سطحي بائس عن العالم الخارجي بكل من فيه، فلقد تدربنا طويلاً على ابتلاع ألسنتنا عند سماع الهراء المشابه على الجانب الآخر من الكرة الأرضية. المشكلة في ابنتها، زوجته، الابنة على عكس الأم، أصيبت بصدمة وفقدت تركيزها تماماً صبيحة اليوم الذي أعلن فيه فوز ترامب لدرجة أنها كما تروي: ارتدت بنطلونها بالعكس.
وصلت أمريكا في الأيام الأولى لحكم ترامب، الجو مشحون، المظاهرات متواصلة. عدا عن الخناقات في الأسواق وعلى مواقع التواصل وداخل البيوت! في تلك الأيام قرأت في الصحف عن مبادرة يقوم بها مؤسس شبكة faith matters بالتعاون مع مؤسسات أخرى غير ربحية لتجسير الهوة التي حدثت بين مؤيدي ترامب ومعارضيه، المبادرة حملت عنوان 100 دعوة على العشاء.
تلك الدعوات أقيمت خلال الأيام المئة الأولى من حكم ترامب، حيث يجتمع في كل دعوة عشرة أمريكيين غرباء بعضهم عن البعض، مختلفون، بيض وسود ومهاجرون، مؤيدون لترامب ومعارضون، يلتقون معاً على عشاءٍ معدّ بعناية على ضوء شموع وموسيقى جاز ناعمة ونبيذ. وأثناء العشاء يجري حوار يعبر خطوط الاختلاف السياسية والأيديولوجية كما يقول مؤسس المشروع (لنستعيد انسانيتنا مجدداً).
أهم جزء في هذا العشاء هو قواعد الجدل وقد كتبت ووضعت على الطاولة بشكل واضح، وأهمها على الإطلاق: ممنوع رفع الصوت أثناء النقاش. من الأشخاص الذين حضروا تلك الدعوات امرأة قالت أنها لبت الدعوة لأنها تشعر (أننا في حرب)، وأنها تريد أن تلتقي بالناس الذين يسعون لإيجاد سبل للتلاقي. رجل من الحضور قال إنه بعد نتيجة الانتخابات شعر أنه يعيش في فقاعة فهو لم يكن يتصور أن في أمريكا أصلاً من يمكن أن ينتخب ترامب رئيساً، لذلك جاء ليتعرف على هؤلاء الناس ويسمع منهم ويعرف المزيد عنهم.
في التاسعة مساء من كل عشاء كان الحضور يتناولون الحلوى ويقرون بنجاح التجربة. مع ذلك، بعد ثلاث سنوات من بدء تلك التجربة لاتزال العائلة الأمريكية غير قادرة على تناول عشاء عيد الشكر بسلام.
الاختلاف حول الرئيس في أمريكا لم يكن قبل هذه الأيام يهدد بإفساد عشاء عيد الشكر، زوجة صديقنا أيضاً خفضت عدد زياراتها لأمها إلى الحد الأدنى، لأنها لم تعد تحتمل تبريرها -كغيرها من مؤيدي ترامب- للقرارات الوحشية لترامب كقرار فصل أبناء المهاجرين غير الشرعيين عن أهاليهم، أما خالها فقد قاطع أخته رسمياً في النهاية ولن يحضر هذا العشاء! ويبدو أن المشكلة عامة، تتجاوز بكثير صديقنا وحماته، لأن قناة السي إن إن استعرضت في بداية الأسبوع، دراسة تقدم مقترحات للأمريكيين تساعدهم على الخوض بسلام في النقاش السياسي على مائدة عيد الشكر هذا العام!
المفارقة أن نفس الصديق دعانا من قبل على عشاء سابق أقامه بمناسبة زيارة أمه لأمريكا قادمةً من سوريا، وهي من مؤيدي بشار الأسد، من حزب: (يضلو فوق راسنا سيادة الريس وما بدنا شيء)، يتعمد ابنها بين وقت وآخر أن يسب بشار الأسد أمامها فتجفل المرأة وتتمتم كالذي سمع تجديفاً أو هرطقة. وفي حوار أثناء العشاء حول الأوضاع في سوريا، الحوار الذي يبدأ ببيان: (ما في شيء) الشهير، البيان الموحد الذي ينفي حتى الساعة وجود الآخر المختلف في سوريا، اقترحت الأم أن موت نصف الشعب السوري ليس مشكلة (افرضوا مات نصن) قالت. لم يجادلها أحد وقتها، حتى ابنها غص مثلنا باللقمة.
مواد أخرى للكاتبة:
سؤال “بريء” يؤدي إلى ترحيل اللاجئين من أمريكا
اللجوء المفتوح للكلاب دون البشر: ربع سكان أميركا من الكلاب!