أملود الأمير – هامبورغ
في المؤتمر السنوي للصحفيين المقام في مدينة هامبورغ بحضور كبير لصحفيين من مختلف أنحاء العالم والذي كان عنوانه “الصحافة اليوم على الحدود” تحدث أربعة من الصحفيين المشاركين في أوراق بنما، عن تجربتهم المشتركة والصعوبات التي واجهتهم أثناء عملهم مع الآخرين المتواجدين في 80 دولة، وكيف فُصل أحد الصحفيين المشاركين من عمله وكان مقيمًا في تركيا، وآخرين تعرضوا للتهديد في عدة أماكن، (روسيا مثلاً)، لكن هذا لم يثنيهم عن متابعة عملهم. كما أكدت “إيلميا دياز ستروك” الفنزويلية، وهي أستاذة الصحافة في جامعة فنزويلا المركزية، وباحثة رئيسية للتحقيقات عبر الحدود (ICIJ)، على أهمية هذا العمل والسرية للوصول الى أبعد ما يمكن للكشف عن الحقائق.
وكانت إيمليا قد حصلت على العديد من الجوائز، منها جائزة لأطروحة في الاتصالات من اتحاد أمريكا اللاتينية لكليات الاتصالات الاجتماعية.
كما تحدث كل من “باستيان أوبرماير” و”فريدريك اوبرمير” عن أن الكتاب الذي تعاونوا على تأليفه، بشكل مشترك ويحمل نفس الاسم ( وثائق بنما)، يقدم بطريقة سلسة وسهلة القراءة قصصًا اقتصادية، طريقة سردها ليست أدبية وإنما تحتوي على كيفية عمل الصحفيين لكشف الجرائم الاقتصادية، وفهم آلية الشركات الخارجية بأصغر تفاصيلها .
لقد بدأت القصة بسؤال لشخص مجهول يسأل إن كان هناك من يهتم ببعض البيانات لمراسل صحيفة زود دويتشه “باستيان أوبرماير”. Hello. This is John Doe. Interested in Data? وبعد عام خرجت وثائق بنما، وبنفس التوقيت في نيسان، انتشرت قصص العديد من الرؤوساء والشخصيات والشركات والبنوك في قضايا التهرب الضريبي وغسيل الأموال.
لم يرد المصدر تعويضات مالية ولا أي شيء آخر سوى القليل من التدابير الأمنية، هكذا بدأت القصة.
في هذا المؤتمر تم التحدث عن آلية العمل، وكيف تمكن ما يقارب 370 من الصحفيين في جميع أنحاء العالم من التعاون!
كان من الممكن إلقاء نظرة وراء الكواليس على أوراق بنما من خلال محاضرتين وورشة عمل قام بها عدد من الصحفيين المشاركين. كيف عكف الباحثون لمدة شهر على تحليل 5.11مليون من الملفات المشفرة، من شركة “موساك فونسيكا” البنامية، والتي تعتبر تقريبًا رابع أكبر مكتب محاماة في العالم، وبلغ حجم البيانات فيه 2.6 تيرابايت، وهي شركة أوفشور، الأوفشور تسمية تُطلق على المؤسّسات المسجّلة في بلدان ذات سياسات ضريبيّة ضعيفة، وأنظمة متساهلة على غرار “جزر فرجن البريطانية” و”بنما” وجزر “سيشل” ، حيث تبيع الشركات الخارجية مجهولة المصدر في جميع أنحاء العالم. هذه الشركات تمكن أصحابها من التغطية على تعاملاتهم التجارية، بغض النظر عن مدى شرعيتها أو سوئها.
النظام :
البيانات المسربة مبنية كما يلي: كل شركة في “موساك فونسيكا” أنشئ لها مجلد يحتوي على الإيميلات والعقود والمستندات الممسوحة ضوئيًا، وأحيانًا تصل المستندات لآلاف الصفحات، وقد تم استخدام برنامج مشابه للبرنامج الذي يتعامل به المحققون الدوليون .
كما قاموا بانشاء موقع (ICIJ) لتسيهل تصفح الوثائق، وتمكين الصحفيين من تجميع قوائم تضم أكثر من 130 اسمًا من السياسيين والمجرمين الدوليين والرياضيين، بالإضافة إلى 600 اسم ممن تشملهم عقوبات الأمم المتحدة، بحيث يمكن للجميع الدخول على المتصفح: offshoreleaks.icij.org من ثم إدخال الأسم والبلد الذي يُقيم فيه، بعدها تُفتح الملفات كسلسلة خوارزمية.
تحدث أيضًا “يوهانس.ك. ر. كريستيانسون” الأيسلندي، وهو صحفي التحقيقات الذي تم تكريمه على التحقيقات لتجارة السلاح السوداء والاعتداء الجنسي على القاصرين، والفساد الحكومي، عن إمكانية رؤية ما يحاك في الظل من قبل رؤوس الأموال والرؤوساء، وطرق تهربهم من العقوبات الدولية، ومن بين هذه الشركات شركة وينترس المسجلة في جزر “فيرجن” البريطانية، والتي كشفت وثائق بنما أنها عائدة لزوجة رئيس الوزراء الآيسلندي، ليخفي فيها ملايين الدولارات، وعلى أثر هذه الفضيحة اندلعت احتجاجات حاشدة خارج مبنى البرلمان، وبعد 48 ساعة أعلن رئيس الوزراء الأيسلندي “سيغموندور غونلوغسون” استقالته من منصبه، كما اضطرت بعض البنوك مثل
Commerzbank, HSH Nordbank, and Hypovereinsbank لدفع 20 مليون يورو على التوالي، كنتيجة لتعاملهم مع شركة “موساك فونسيكا”.
البحث:
تغطي هذه الوثائق الفترة ما بين 1970 – 2016 حيث بدأت عملية البحث المفصلة لكل اسم، والتي طرحت الأسئلة التالية: ما هو دور هذا الشخص في شبكة من الشركات؟ من أين يأتي المال؟ أين هو ذاهب؟ هل هذا الهيكل قانوني؟
وبصفة عامة، امتلاك الشركة في الخارج ليست غير قانونية في حد ذاتها وإنما إخفاء هويات أصحاب الشركات واستخدام وكلاء هو ما أثار التساؤلات وفتح باب البحث.
موساك فونسيكا تقوم بشكل روتيني بالانخراط في الأنشطة التجارية بالإضافة إلى المساعدة والتحريض على التهرب الضريبي، غسل الأموال، والالتفاف على العقوبات الدولية.
كما أكد الصحفي “فريدريك أوبامير” المهتم بسياسة الشرق الأوسط، التطرف، والتحقيق في جميع أنحاء العالم، أنه سيتم نشر بعض المعلومات عن الرئيس السابق معمر القذافي في الأيام القادمة.
فريديك حصل على العديد من الأوسمة والجوائز نتيجة تحقيقاته الصحفية، كجائزة الصحفي “هيلموت شميت” وغيرها الكثير.
كذلك حصل “باستيان أوبمير” الذي قاد فريق البحث عن التسريبات في الخارج، وتسريبات “لوكس وسويسليكس”، على العديد من الجوائز، بما في ذلك جائزة “هنري”، وجائزة “ثيودور وولف”، وجائزة الجارديان ومنارة للبحث – لكشف شركة أبوظبي للمطارات.
النظام السوري؟
يقول باستيان: إن النظام السوري استطاع الالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة عليه، عبر اللجوء إلى ثلاث شركات وهمية، “بانغاتس انترناسيونال”، “ماكسيما ميدل ايست ترايدينغ”، و”مورغان اديتيفز”، وتصنفها وزارة الخزانة الأمريكية على أنها داعمة “للأسد”، مما مكنه من توفير الوقود للطائرات الحربية السورية، والتستر على ثروة عائلة الأسد.
تسلّط الوثائق الضوء على العالم الماليّ غير الشفّاف، حيث شركات الأوفشور والملاذات الضريبيّة، وتكشف أيضًا الصعود القوي لرامي مخلوف منذ 2002، تاريخ حصوله على امتياز تشغيل شبكة اتصالات في سوريا “سيرياتل”، التي يُسيطر عليها عن طريق ملكية 10% مباشرة فيها، و63% من رأس مالها عبر شركته دريكس تكنولوجيز، ومقرها جزر فيرجن البريطانية.
وقد تحدثت “إيمليا دياز ستروك” عن مشاركة صحفي عربي لم يكن حاضرًا في المؤتمر، هو “حمود المحمود”، والذي يعمل مع شبكة أريج للصحافة الإستقصائية العربية، حمود الذي تخرج من كلية الاعلام بجامعة دمشق، وحصل على الماجستير في الاعلام والعلاقات العامة، حصل ايضًا على زمالات ومنح عالمية مع بي بي سي، رويترز، آيركس، والتلفزيون السويدي، وصندوق النقد الدولي، وحصل على جائزة إقليمية في الصحافة الاستقصائية عام 2008 من “تومسون رويترز” .
لقد تمنت “إيميليا” ممارسة الصحفيين العرب لدورهم، وأن تكون مشاركتهم أوسع في كشف الحقائق، وتعرية القادة والشخصيات الشهيرة من زيف النزاهة الذي يرتدونه.