سرى علّوش – دريسدن
“لا أريد أن يبدو الأمر دعاية شخصية” هكذا ختم وائل الوريث حديثه مع أبواب بعد أن تحدثنا إليه مطولاً عن تجربته الفريدة في ألمانيا. الوريث الذي جاء إلى ألمانيا لاجئًا يبحث عن وطن بديل يستطيع من خلاله أن يجتمع بزوجته التي لم يرها منذ خمس سنوات، وصل بعد أشهر قليلة إلى مكتب وزيرة الثقافة والعلوم والفنون الدكتور إيفا ماريا ستانغي وحل عليها ضيفًا بعد أن دعته ليرى لوحته التي قدمها لها بالصدفة البحتة كتعبير عن شكره للشعب الألماني لفتح أبوابه في وجه السوريين الذين أغلقت كل البلاد العربية أبوابها أمامهم.
في حفل للتعارف بين سكان المدينة واللاجئين نظمته أحدى الجمعيات واستضافه أحد متاحف مقاطعة ساكسونيا، اختار الوريث سيدة لا على التعيين ليقدم لها لوحته شارحًا لها عن مبادرته ليكتشف فيما بعد أن هذه السيدة تشغل منصب مدير مكتب وزيرة الثقافة، ثم طلبت منه الأخيرة تقديم اللوحة لها على المسرح باسم الشعب السوري.
رحلة وائل الوريث في ألمانيا بدأت بمبادرة شخصية لجمع النفايات حول المخيمات مع عدد من الأشخاص الذين قاموا بمساعدته، الشيء الذي استرعى انتباه سكان المنطقة وجعلهم يوجهون له ولفريقه الدعوات بهدف التعارف. بعد ذلك انتقل الوريث إلى مدينة دريسدن عاصمة إقليم سكسونيا حيث تتابع الجمعيات عملية اندماج اللاجئين بشكل صحيح حتى أثناء معالجة ملفاتهم. وكرد للجميل بدأ بالبحث عن فكرة يعبر من خلالها عن شكره للشعب الألماني. وبعد أن أصبح يتقاضى مساعدات؛ قرر أن يقوم شهريًا بصناعة لوحة وإهدائها لأحد المواطنين الألمان الذين لا يعرفهم، مرفقة برسالة شكر من لاجئ إلى مواطن.
وكاستمرار للفكرة يقول الوريث إنه أصبح لاحقًا يفكر في عمل يجمع من خلاله الثقافتين العربية والألمانية فكتب النشيد الوطني الألماني بالخط الكوفي العربي مع الأصل باللغة الألمانية. بعد ذلك أصبح يخرج إلى الشوارع ويتحدث مع الناس وينتقي في كل مرة شخصًا لا على التعيين ليقدم له اللوحة. وحين لاقت فكرته الترحيب، قرر صناعة ست عشرة لوحة على عدد الولايات الألمانية بعد أن تلاشت مخاوفه بسبب سكنه في دريسدن معقل حركة بيغيدا المناهضة للمسلمين.
معرض لجميع اللاجئين
عن لقائه مع وزيرة الثقافة يقول الوريث إنها سيدة صبورة ومثقفة جدًا وكانت حريصة على الاستفسار عن كل ما يخصه والاستماع إلى مشاريعه وخططه المستقبلية في ألمانيا؛ فعبر لها عن رغبة اللاجئين في العمل وتقديم ما يستطيعون، وقدم لها اقتراحًا بتحويل المعرض الذي كانت تنظمه إحدى الجمعيات له ولأحد المصورين اللبنانيين إلى معرض لجميع اللاجئين لعرض أعمالهم في ظل عدم توفر الإمكانيات لهم لعرض أعمالهم فوافقت على الفور وهكذا كانت انطلاقة فكرة المعرض الذي سيستضيفه متحف مدينة دريسدن وستدعم وزارة الثقافة حملته الإعلانية وتتحمل كافة مصاريفه. يقول الوريث: “من هنا نشأت مبادرة “نحن” التي دعت للمعرض بهدف أن يكون لنا “نحن”، اللاجئين عملاً جماعيًا يعبر عنا ويظهر الجانب الذي لا يعرفه أحد فينا”.
يشارك في المعرض ثلاثون فنانًا غالبيتهم من السوريين. وفي اجتماع آخر مع السيدة الوزيرة حضره أساتذة من جامعة هامبورغ طلبت الجامعة استضافة المعرض بعد انتهائه وسيتم تحديد التاريخ لاحقًا. ستقوم الوزيرة ومحافظ المدينة بافتتاح المعرض في دريسدن سيتي آرت غاليري الذي وجه 3500 دعوة شخصية لحضور المعرض. وعن أهمية الإنجاز يقول الوريث إنه كان سعيدًا بإظهار الوجه الآخر للسوريين ودحض الفكرة المسبقة والجاهزة، وفخورًا بتنوع تقنيات الفنانين وأساليبهم وأدواتهم.
اللوحات التي يقوم الوريث بتقديمها سيتم عرضها في المتحف وسيتم ملء طلبات من قبل الراغبين باقتنائها لتختار إدارة المتحف 16 متقدمًا عن طريق السحب ستتم زيارتهم وتقديم اللوحات لهم وسيتم توثيق المشروع من خلال عمل يتحدث عن الفكرة ومراحل تطورها واكتمالها على يد الوريث.
يسعى الوريث لإنشاء موقع الكتروني للفن التشكيلي لعرض لوحات الفنانين كبديل عن المعارض التي تحتاج تمويلاً ضخمًا ولتسهيل عملية بيع اللوحات. وبشأن حياته يقول إن فرصه كبيرة في بلد كألمانيا كمصمم غرافيك، ولنشر كتبه التي يحلم بنشرها. أما عن دوافعه وراء مبادرة “نحن” يقول إن المسألة كان مسألة تحد في مدينة هي معقل حركة بيغيدا المتطرفة في ألمانيا ويكمل: “لقد أصبحنا وقودًا للإعلام والمصلحة العامة تقتضي ألا أكون وحيدًا لأن ما يهم حقًا هي صورة السوريين”.
الوريث لا يوجه اللوم إلى أحد لأن ظروف الجميع مختلفة لكنه يصر على أنه من الضروري “عدم التفكير كلاجئين بل كمهاجرين. يجب علينا التحرك والعمل لأن المواطنين ينتظرون منا هذا ويعملون على إدخالنا إلى حياتهم بكل الطرق وعلى مساعدتنا على الاندماج. علينا التوقف عن انتظار مبادرة الآخرين تجاهنا كلاجئين، والتفكير كمهاجرين والخروج من الدائرة الضيقة”.
يبدأ المعرض في 31 آذار مارس الساعة الخامسة والنصف مساء في دريسدن سيتي آرت غاليري وسيستمر لمدة 24 يومًا.
وائل الوريث فنان سوري من مواليد دمشق عام 1982 وصل إلى ألمانيا عبر البحر منذ ثمانية أشهر. درس التاريخ والحقوق لكنه لم يستطع إكمال دراسته. اشتغل في الخط العربي قبل أن ينتقل لتصميم الجرافيك ويحصل على دبلوم فيه وفي الاتصالات البصرية من معاهد سورية. أقام معرضين في عمان وورش عمل في المتحف الوطني الأردني وكان مشرف جمعية أصدقاء اللويبدة في عمان. شارك في مجموعة من المعارض في سوريا والشرق الأوسط. المتخصصة في التصميم الجرافيكي والفن الرقمي، حاصل على العديد من الجوائز المحلية والدولية في الفن والأدب.
عنوان المعرض:
Städtische Galerie Dresden, Kunstsammlung, Wilsdruffer Strasse 2, 01067 Dresden, Germany.