ليليان بيتان* – برلين.
اللاجئون، ألمانيا، وروسيا.. حوار مع الناشطة الروسية غانوشكينا
“كره الأجانب موجود داخل كل شخص منا”.
“يتم إخافتنا بألمانيا: “إن لم تتصرفوا بشكل جيد فإننا سنصبح كألمانيا”.
“أنا لا أدعم أبدا التدخل العسكري الروسي في سوريا”.
الناشطة الروسية سفيتلانا غانوشكينا
تعتبر سفيتلانا غانوشكينا من أهم ناشطي حقوق الإنسان والمتحدثات في مجال اللاجئين والنازحين والمهاجرين في روسيا.
في العام 1990 ومع انهيار الاتحاد السوفيتي قامت سفيتلانا بتأسيس منظمة “الدعم المدني” والتي تقدم الدعم القانوني والطبي والنفسي للاجئين وتقدم دورات باللغة الروسية للاجئين الراغبين بدخول سوق العمل الروسية. عدا عن ذلك فهي المؤسسة والقائمة على شبكة “الهجرة والحقوق” التابعة لمنظمة حقوق الإنسان “ميموريال”.
في أكتوبر – تشرين أول من عام 2016 حصلت سفيتلانا على جائزة “Right Livelihood” لعملها الدائم لدعم المحتاجين واللاجئين حول العالم.
على مائدة الإفطار في منظمة هاينرش بول في برلين، التقت “أبواب” بسفيتلانا غانوشكينا وكان لنا معها الحديث التالي:
منذ نهاية 1989 وأنت تعلمين من أجل اللاجئين والنازحين. ما الذي دفعك للبدء بهذا النشاط والعمل؟
في بعض الأحيان تواجهك حالات وأمور في الحياة لا يمكنك غض النظر عنها أو إهمالها. وهذا ما حدث في ذلك الوقت: اللاجئون كانوا هنا ولم تعرف الدولة ما عليها القيام به أو ما هو المطلوب منها في ذلك الوقت، ولم نستطع نحن أن نبقي أعيننا مغمضة عن هذه الحالة.
في الاتحاد السوفيتي لم يكن هنالك لاجئون بالتعريف وكانت الهجرات موجودة ولكن تحت طلب وسيطرة الاتحاد السوفيتي نفسه. عند تفكك الاتحاد السوفيتي بدأت المشاكل غير المتوقعة بالظهور ومنها ما كان دمويا بشكل كبير -كأرمينيا وأذربيجان ولاحقا الشيشان- وبسببها وصلت أعداد كبيرة من اللاجئين والنازحين. لم تعرف الحكومة الروسية آنداك ما عليها القيام به، ولم يعرف ميشيل غورباتشوف وباقي قادة الدول الجديدة كيفية التعامل مع اللاجئين وظنوا أن هذه المشكلة مرحلية وستحل نفسها بنفسها خلال فترة بسيطة.
للأسف نحن عرفنا حجم المشكلة واستطعنا تأسيس أول منظمة غير حكومية وهي „الدعم المدني” وهذا لم يكن متاحًا سابقا في الاتحاد السوفيتي.
منذ بدايات العام 2000 ومنظمتك تساعد المهاجرين الباحثين عن عمل أيضا. هل ترين نفس المشاكل التي كنت ترينها مع اللاجئين سابقا؟
في البداية لم نقدم أي دعم للباحثين عن العمل من المهاجرين، لأننا ظننا أنهم أتوا إلى روسيا بمحض إرادتهم وليس بشكل إجباري، ولكن مع الوقت اكتشفنا أن هؤلاء أيضا مجبرون على ترك أراضيهم في دول وسط آسيا والقدوم إلى روسيا بحثا عن العمل، لإطعام أطفالهم.
في عام 2002 صدر أول قانون ضد المهاجرين والذي يجعل العمل للمهاجرين صعبا جدا داخل روسيا. وبسبب هذا القانون بدأ الكثير من المهاجرين بالعمل بشكل غير قانوني وهذا يعني أنهم كانوا دون أية حقوق تجاه أرباب عملهم.
الفرق بين المهاجرين واللاجئين هو أن اللاجئ لا يملك شيئا على الإطلاق منذ البداية. اللاجئون يحتاجون لسقف يحميهم أولا وبعض المواد التي تبقيهم على قيد الحياة. ما يجمع المجموعتين هو أن الحصول على الإقامة في روسيا أمر صعب جدا والحصول على عمل نظامي قانوني أشبه بالمستحيل. لهذا كان من الضروري جدا تقديم الاستشارة القانونية لهؤلاء المجموعتين على حد سواء.
ما هو وضع اللاجئين السوريين حاليا في روسيا؟
في السابق أتى السوريون إلى روسيا للعمل، وخصوصا للعمل عند سوريين آخرين مقيمين منذ فترة طويلة في روسيا. في الغالب كانوا يقيمون فترة عام كامل في روسيا ويعودون إلى سوريا لتجديد تأشيراتهم ويعودون مرة ثانية إلى روسيا للعمل.
فجأة لم يعد يستطيع هؤلاء الأشخاص العودة إلى بلدهم ومن ثم اندلعت الحرب. أصبح هؤلاء وبشكل عملي لاجئين غير نظاميين. وحسب مؤتمر جينيف لحقوق الإنسان من عام 1851 فهؤلاء يدعون لاجئين “Sur place“.
لم ترغب روسيا بإعطائهم إقامات لجوء نظامية وهذا شكل لهم مشاكل كبيرة جدا. اليوم سمعت باثنين فقط من السوريين يحملون إقامات لجوء نظامية وللأسف لم أعرف هؤلاء الأشخاص ولا كيفية حصولهم على الإقامة. ربما كانت الرشوات أو شيء آخر. رسميا هنالك أكثر من عشرة آلاف سوري في روسيا. 2000 منهم يعيشون بشكل دائم في روسيا. 1000 منهم يحملون إقامات لجوء مؤقتة وأكثر من 6000 شخص يحتاجون لإقامات لجوء، وسمة لجوء، ولكنهم لا يحصلون ولم يحصلوا عليها. هم يعملون في نفس المعامل والشركات التي كانوا يعملون بها سابقا، ولديهم العديد من المشاكل مع الشرطة بسبب هذا الوضع غير القانوني.
هذه الأمور يتم تنظيمها بدفع رشوات من قبل صاحب العمل للشرطة ولكن هذا كله على حساب اللاجئ نفسه. هم لا يحصلون في الكثير من الأحيان على رواتبهم. ليس لديهم أي نوع من التأمين الصحي أو العلاج الطبي، لا يمكن لأطفالهم دخول المدارس، رغم أن منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة شددت وبشكل مباشر أن هذا أمر غير مقبول. الكثيرون تم إعادتهم إلى تركيا والتي قبلتهم بسرور. بالنسبة لتركيا والتي تقوم باستقبال أكثر من مليوني لاجئ سوري أن تحصل على اثنين أو ثلاثة جدد من روسيا فإن الأمر عادي جدا.
حاليا يقبع الكثير من السوريين في مراكز الترحيل الروسية. بعضهم تحمل نساؤهم وأطفالهم الجنسية الروسية. كما أن تعامل الجالية السورية في روسيا مع هؤلاء اللاجئين سيء للغاية.
أنا اعرف مواطنة سورية تعمل كمترجمة لمصلحة الهجرة وعبر يديها تمر أموال الرشاوى والفساد. هنالك الكثير من حالات الابتزاز الكبيرة للبالغين وللأطفال أيضا. أنا أعرف أن بعض أرباب العمل السوريين يشغلون لديهم أطفالا سوريين لا تتجاوز أعمارهم الحادية عشرة وهذا كله على بعد بضعة كيلومترات من موسكو. ماذا علينا أن نفعل؟ هذا بالنسبة لي يعتبر مشكلة كبيرة! كيف يعيش هؤلاء ال 6000 سوري؟ هم لا يملكون أيه إقامات على الإطلاق ولا يملكون شيئا إلا أماكن عملهم في هذه المعامل والشركات.
منظمتك تعمل في مجال التعليم وتعليم الكبار في السن. هل يمكنك توضيح هذا الأمر بشكل أكبر؟
في منطقة قرب موسكو حيث يقطن غالبية السوريين مع أطفالهم، قمنا بتأسيس مدرسة هناك. يتعلم الأطفال اللغة الروسية، يرسمون ويتعلمون القليل من الرياضيات. أيضا يمكن للبالغين تعلم اللغة الروسية هناك. لا نحصل على أي دعم حكومي لهذا العمل بل يتم اتهامنا أننا نقوم بتعليم اللغة الروسية بشكل غير قانوني.
بالنسبة إلي لا يمكنني أن أقبل بكلمة “أطفال غير شرعيين”، لهؤلاء الأطفال فهم لا ذنب لهم في حالتهم الاجتماعية والقانونية الحالية. إضافة إلى ذلك يجب على الدولة الروسية أن تكون مهتمة أن جميع المواطنين المقيمين على الأراضي الروسية يمكنهم التكلم باللغة الروسية. أجد الأمر غريبا من السلطات الحكومية أن تكون منظمة غير حكومية مجبرة على تقديم دروس اللغة الروسية للاجئين، وخصوصا أن الدولة الروسية لا تفرض هيمنتها على الجيش والأفعال العسكرية فحسب، بل على كل النشاطات اللغوية والثقافية الخاصة باللغة الروسية.
ما لا نريده أن نقدم دورات لغة روسية لأطفال يمكنهم التكلم باللغة الروسية بالأصل. على هؤلاء الأطفال أن يستطيعوا الذهاب للمدارس الروسية النظامية، ولهذا قمنا برفع دعوى باسم إحدى الفتيات اللاجئات السوريات ضد إدارة التربية والتعليم الروسية. هذه الدعوى وصلت حتى المحكمة العليا الروسية والتي رفضت دعوتنا. بشكل مبسط فإن هذه الدعوى كانت تقوم على مبدأ على حق كل طفل بالتعليم، ولهذا كتبت المحكمة سبب رفض الدعوة “يجب على كل الأطفال الذهاب إلى المدرسة”، هذا أمر يقره أيضا الدستور الروسي من المادة 43، والذي يعطي الحق لكل شخص مقيم على أراضي الاتحاد الروسي بالتعليم والدراسة. في النهاية وصلنا لما أردناه واستطاعت تلك الفتاة دخول المدرسة.
كيف ينظر غالبية السكان الروس إلى اللاجئين القادمين من الشرق الأوسط؟
إن غالبية الشعب الروسي يكره كل شيء، حتى نفسه. هنالك الكثير من الكره والتوتر وعدم الاهتمام داخل هذا المجتمع. لا أحد يحب المهاجرين ولكن هذا كره عام حيث أن أعداد المهاجرين في روسيا قليلة جدا. يرى الكثيرون عبر التلفاز كميات المهاجرين واللاجئين التي أتت إلى أوروبا ويقولون “لا نريد أن يحصل لدينا ما حصل لديهم. لن نسمح بحدوث ذلك في روسيا”
إن المتعصبين الروس ناشطون جدا في روسيا وخصوصا في السنوات الأخيرة. هنالك الكثير من حوادث الكراهية التي حدثت للاجئين والمهاجرين من الشرق الأوسط ووسط آسيا. للأسف لا أستطيع تفسير هذا الكره إلا بوجود هذا العنف والكراهية الموجودة والمتأصلة في هذا المجتمع.
كيف يتم تقييم السياسة الألمانية تجاه اللاجئين في روسيا؟
بشكل سيء! يتم إخافتنا عبر هذه السياسة: “في حال لم تتصرفوا بشكل جيد فإننا سنصبح كألمانيا التي ترزح بشكل كبير تحت عبء اللاجئين”.
التطورات الإيجابية والعمل الجبار الذي قام به المجتمع الألماني واللقاءات بين الألمان واللاجئين، ألم يصل أي منها إلى روسيا؟
شيء لا يذكر. انا اعتبر استثناء، حيث أعرف عن الأمر مقدما. عند وجود الإمكانيات أقوم بطرح هذا الموضوع في روسيا، وعن كيفية قيام الألمان بمساعدة اللاجئين. هذا يثير إعجاب المستمعين بالطبع. الكثيرون يعرفون فقط أن ليزا المسكينة تم اغتصابها من قبل اللاجئين (في يناير- كانون ثاني من عام 2016 قامت العديد من وسائل الإعلام الروسية بنقل أخبار أن فتاة قاصرة تدعى ليزا ألمانية-روسية تم الاعتداء عليها من قبل اللاجئين. بالطبع كان الأمر إنذارا كاذبا وكان الخبر عاريا عن الصحة).
ويسمعون عن الأحداث التي حدثت في كولونيا، يسألني كثيرون: “قولي لنا! هل ترغبين حقا أن يأتي إلينا في روسيا الكثير من اللاجئين كألمانيا؟” نعم أرغب في ذلك. هذا لا يسبب لي أي خوف. على العكس، أنا أراه مريحا أن أذهب كل يوم صباحا إلى العمل وأجد الكثيرين ممن يأتون من دول مختلفة حول العالم. على الجهة المقابلة فإن الأمر واضح لدي، أن كره الأجانب وكره كل ما هو مختلف وأجنبي هو شعور طبيعي. ولذلك فإنه من السهل أن تقنع شخصا بأن شيئا غريبا عنه هو شيء سيء وخطير.
أقول هذا دوما: إن كره الأجانب أمر موجود لدينا جميعا. علينا أن نعي تماما كيف نقوم بتربية أطفالنا وتوعيتهم. علينا أن نحارب كره الأجانب الموجود داخلنا أولا قبل أن نحاربه في المجتمع الذي نقيم به.
إن قدوم الكثير من السوريين إلى أوروبا مرتبط بشكل أساسي بالحرب القائمة حاليا في بلدهم الأم. كيف تنظرين إلى موقف الحكومة الروسية من الحرب في سوريا؟
إن الاتحاد الروسي وكوريث شرعي للاتحاد السوفيتي يملك ماضٍ عريقا بالتدخلات بشؤون الآخرين، والذي من الأفضل أن يتوقف. علينا تذكر هنغاريا عام 1956، تشيكوسلوفاكيا 1986، التدخل الروسي السوفيتي في أفغانستان والكثير غيرها. أحدثها وأكثرها دمارا ما يحصل في أوكرانيا حاليا.
أنا لا أدعم أبدا التدخل العسكري الروسي في سوريا. أنا لا أدعم أي تدخل عسكري في سوريا مهما كانت جهته. حتى لو كان الهدف إضعاف المعارضة فإن هذا الأمر ليس من ضمن عملنا. إنه من السهل أن تقوم برمي القنابل، ولكن يعاني المدنيون بسبب هذه القنابل.
إن من غير المقبول التدخل في الحروب، وفي حال التدخل يجب وجود جسم عسكري لمحاربته. بالطبع لا ترغب روسيا بإرسال الجنود إلى سوريا لأنهم يمكن أن يقتلوا، ولهذا يتم إرسال الطائرات والطيارين فهذا أكثر أمنا. ولكن عندما لا ترغب أن يقتل جنودك فعليك بكل بساطة ألا تتدخل بالحرب.
لم تأت روسيا إلى سوريا لحماية المدنيين، بل لحماية سلطة معينة لكي تبقى في سلطتها لأنها قريبة منها سياسيا. بعيدا عن الخيارات السياسية لا يجوز على الإطلاق – وهذا الأمر لا ينطبق فقط على روسيا– أن يتم قصف المدنيين من الطائرات.
*صحافية ومترجمة ألمانية، محررة القسم الألماني في صحيفة أبواب.
*ترجمة د. هاني حرب