تقرير وحوار: مهند قيقوني – برلين
عرضت في برلين أيام 10-11-14 من حزيران/يونيو مسرحية “حبك نار” للكاتب مضر الحجي والمخرح رأفت الزاقوت، بمشاركة عدد من الممثلين السوريين وهم: ريم علي، محمد آل رشي، أمل عمران، ومؤيد رومية، ومن المقرر أن تستمر العروض في عدد من الدول الأوروبية بالإضافة إلى دول عربية من ضمنها لبنان وتونس.
يقدّم العمل قصة أربع شخصيات مركبة، تعيش الصراع السوري في معركته لنيل الحرية منذ انطلاقة الثورة عام 2011 حتى اليوم، من الجانب النفسي والإنساني لهذا الصراع، وهم رند، حلا، خلدون والكاتب بالإضافة إلى شخصية خامسة وهي شخصية وسام، الحاضرة في النص والغائبة عن المسرح.
تدور قصة المسرحية حول كاتب مجهول الاسم يكتب مسرحية عن شخصيات لا تزال تعيش في الداخل السوري، ويتحكم بحياتها وقراراتها ومصائرها فتخضع الشخصيات تارة لرغباته، وتتمرد عليه تارة أخرى طالبة منه أن يضع رؤية واضحة حول مصيرها، بينما يظهر الكاتب عاجزًا وغير قادر على إنجاز المسرحية ووضع نهاية لها، وينتقل الكاتب أثناء ذلك من سوريا إلى لبنان وصولاً إلى برلين.
جمعة صمتي يقتلني
تبدأ المسرحية بعرض بصري من خلال فيديو قصير تم بثه من تلفزيون وضع على خشبة المسرح، حيث اختصر الفيديو مراحل سوداء من تاريخ سوريا، بدءًا من الطاغية حافظ الأسد مرورًا بكل ما بثه التلفزيون من دعايات سخيفة وبرامج فارغه ومشاهد لأعضاء مجلس الشعب وأطفال الطلائع، وصولاً إلى تسليم بشار الأسد مقاليد الحكم، حتى قيام الثورة والمظاهرات السورية. كما رافق الفيديو شاشة إسقاط ضوئي تبث مشاهد لقطّة تلعب مع فأرة قبل أن تقوم بإلتهامها. بعد ذلك بدأ الحوار بجملة “دمشق ظهرًا، جمعة صمتي يقتلني” لتنتهي المسرحية بذات الدلالة، بمشهد لرند، التي تبدو وكأنها تصرخ من دون أن يسمع صوتها.
الجميع يرى صراخنا ولا أحد يسمعه
على هامش العرض المسرحي؛ التقت أبواب بالمخرج رأفت الزاقوت، وكان السؤال الأول حول الغاية من هذا الفيديو، فأجاب: “هدف الفيديو إظهار البشاعة والكآبة واللاحرية في الدكتاتورية، هذا النوع من الدعايات، هذا النوع من مجلس الشعب، هذا النوع من السياسة التوريثية، هذا النوع من التربية الطلائعية، وربط المشهد بذات الوقت بمشهد لفعل طبيعي لقطة تلعب بفأرة قبل أن تأكلها، والغاية من المزج بين المشهدين هي تكثيف فعل العنف الموجود عند المخلوقات وربطه مع هذا التاريخ المظلم، القمعي، الحزين والمتعب الذي يفتقر للحرية، بمعنى آخر: إظهار فكرة قرف العنف وبشاعته عندما يرتكب أي شخص عنفًا على أحد أضعف منه. وأيضًا يظهر في الفيديو أوباما ورؤساء الدول الأوروبية لإظهار أن الجميع مشارك في المأساة السورية أو متفرج، كما أن هذا الفيديو يكمّل الصرخة غير المسموعة لرند في نهاية المسرحية، تمامًا كما في الفيديو، فالجميع يرى صراخنا، ولكن لا أحد يسمعه”.
قراءات مفتوحة
وحول الشخصيات ودلالاتها في “حبك نار” قال الزاقوت: “إن المسرحية واسعة القراءات، وتحمل وجوهًا عديدة، وهذا هو هدف العمل، فنحن لا نقول إن هناك شكلاً معينًا للمجتمع السوري، ولا توجد أية قيمة مطلقة أو رمز معين للشخصيات، فهي شخصيات تحاول البحث عن خلاصها كأي إنسان في هذا العالم عندما يتعرض لظرف صعب. فكما نرى بعض الأشخاص لديهم طاقة أكبر للتغيير أو لاتخاذ القرار، نرى أيضًا أناسًا مترددين. لنأخذ على سبيل المثال شخصية خلدون العسكري لدى النظام السوري. نراه في لحظات قذرًا، جنسيًا أو جلادًا وفي لحظات نراه بائسًا أو غير قادرٍ على اتخاذ قرار، وفي لحظات نراه ضحية أو طيبًا وخائفًا على عائلته. كما يمكن أن يُقرأ ضمن سياق الثورة، فموضوع الانشقاق مثلاً حاسم ومصيري، وربما ليس لدى الجميع القدرة على اتخاذ قرار كهذا، فقرار الانشقاق في عام 2017 لم يعد كما كان عام 2011 وبالتالي ليس لدينا حكم قيمة على أي شخصية، وهذا بشكل أو بآخر ينطبق على كل الشخصيات”، وبتابع: “لا يوجد شخصية ذات وجه واحد في المسرح، إنما هي شخصيات مكثفة، تفتح مجموعة من الأسئلة اللامتناهية للجمهور”.
مسرحية بلا نهاية
وعن النهاية يختتم الزاقوت حديثه لأبواب بقوله: “يقوم العمل على فتح الأسئلة، لا الإجابة عليها، لهذا السبب لا توجد نهاية للمسرحية، هي مسرحية مفتوحة النهاية، فنحن لا نعرف ماذا حدث لأي شخصية في المسرحية، تمامًا كما قصتنا السورية فنحن لا نملك نهايات”.
جدير بالذكر أن مسرحية “حبّك نار” من تأليف مضر الحجي، دراماتورجيا: وائل قدور، سينوغرافيا وملابس: إميلي كوجنارد، فيديو: كارولا شميت وجمعة حمدو، تصميم صوت: كارولا شميت، إضاءة: يوخن ياهنكة، الإنتاج: كريستين لوتيش، الترجمة: سندرا هيتسل ونيكولا عباس، والإخراج: رأفت الزاقوت.