رشا الخضراء*
تربينا في بلادنا “الشرق أوسطية” على فكرةٍ قوامها أن مجتمعنا عائلة واحدة كبيرة، بما في هذه الفكرة من سلبيات وإيجابيات فبقدر ما تجلب من دعم معنوي وعاطفي وأحياناً مادي، بقدر ما تقيد حرية الفرد الشخصية ومقدرته على الابداع في محيطٍ يصفه إذا ما تحدث بغير ما تشتهيه الجموع بالتمرد السلبي.
وبناء عليه عندما وصل السوريون من القادمين الجدد إلى دول اللجوء، كانت توقعاتهم عالية بتلقي الدعم والعزاء والتشجيع ممّن سبقهم بسنوات الى تلك الدول. ولككن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، إذ انقسم السوريون القدامى إلى قسمين:
القسم الأول:
قسم دفعه الحنين إلى الوطن وهول المأساة، للإسراع منذ الأيام الأولى إلى تقديم مساعداتٍ تفاوتت ما بين مبادرات بسيطة كتوزيع الماء للواصلين، إلى مبادراتٍ أكبر كمشاريع تسهيل “الاندماج” وتسلية وتعليم الأطفال. وبذلوا جهدهم ومازالوا للمساعدة رغم نمط الحياة السريع المنهك في الدول الغربية.
هؤلاء وجدوا في الوافدين الجدد طريقة للشعور بدفء الوطن، ورأوا فيهم موارد بشرية لبعض المهن والخدمات التي تكلف الكثير في المهجر كأعمال الصيانة والمطاعم والحلويات..، واستشرفوا بقدومهم تأسيس مشاريع جديدة وجمعياتٍ لتعليم اللغة العربية، وإمكانية التعريف بالفنون والثقافة السورية.
والقسم الآخر من القدامى:
سارع هذا القسم للتبرؤ من اللاجئين “الرعاع” الذين يشوهون سمعتهم، فتجنبوا اللقاء بهم أو التواجد في نفس أماكنهم خاصة أمام سكان البلد الأصليين حتى لا يُحسبوا عليهم أو منهم. وفضّلوا الابتعاد عن هؤلاء اللاجئين، فوصفهم البعض بأنهم “مزعجون وكسالى” انتهزوا فرصة الحرب واللجوء ليحصلوا على المساعدات من الدول المضيفة، وينعموا بحياة مريحة لم يحلم بها المهاجر القديم عند وصوله سابقاً إلى دول المهجر.
وحجتهم في ذلك أن بعضاً من اللاجئين كانوا فظّين جداً؛ فهم يطلبون المساعدة بطريقة الأمر، لا يلتزمون بالمواعيد المهمة، يستهترون بالمتطوعين الذين يأتون لمساعدتهم في المؤسسات المختلفة، متجاهلين أن المتطوع ترك عمله ليساعدهم، فلا يقدمون له حتى أي عذر لعدم الالتزام.
الصالح والطالح
ولنكون منصفين لابد من الإشارة إلى وجود حالاتٍ من كل ما ذكر أعلاه، فبعض اللاجئين اعتمدوا بشكل كامل على المساعدات ولَم يحاولوا مساعدة أنفسهم، وبعضهم حاول أن يستغل القدامى ويستعطفهم، وفي المقابل بعض القدامى استشعروا في القادمين الجدد خطر المنافسة في العمل وخاصة المشاريع الخاصة الصغيرة وبدأوا بشن الحرب على كل لاجئ.
وللمفارقة نجد بعض القدامى أخذوا على الجدد عدم التزامهم الديني وانفتاحهم المفرط! في حين انتقد بعضهم الآخر تزمت وتخلف جزء كبير من القادمين الجدد.
لا يمكننا أن نتجاهل أن فريقاً من القادمين الجدد حمل معه كل الأفكار الاجتماعية والدينية السلبية وقرر فرضها على المجتمع الجديد، إلا أن ما يفاجئ أكثر أن هناك من يعيش في دول المهجر منذ عقود ولا يزال متمسكاً بذات التقاليد القمعية، حتى أن هؤلاء استنكروا على القادم الجديد محاولاته لأن ينطلق خارج القيود التي لطالما فرضت على إمكانياته في مجتمعه.
المساعدة ضمن إطار المعايير الفردية
أصبحت الأحكام الشخصية والنظرة الفردية هي المعيار للراغبين في المساعدة؛ حيث يميل الأفراد لمساعدة من يشبههم بحالة من التحيّز، ولا ننسى هنا تأثير اختلاف المواقف السياسية من الثورة السورية التي أثرت بشكل كبير على التعاطي بين الطرفين. ربما كان أصل المشكلة أننا نرفض الآخر المختلف عنا، ونتقرب ونساعد من يشبهنا لنفرغ بذلك مفهوم المساعدة الإنسانية من محتواها، ويدخلها في مصلحة وأنانية الفرد، ربما الأزمة هي أزمة أخلاق.
في الفيديو المرفق قمنا بسؤال العديد من المهاجرين القدامى واللاجئين في عدد من دول اللجوء، ألمانيا، امريكا، بلجيكا، النمسا، تركيا، الدانمارك، هولندا، عن رأيهم في هذا الموضوع محاولين فهم أصل المشكلة لعلنا نجد الحلول.