خاص أبواب
اسمٌ جميل لتجربةٍ ملفتة بعيدة نوعاً ما عما اعتدناه في بلادنا من تقديم الطعام في المطاعم على الطاولات أو في محالٍ مفتوحة في أماكن معينة لبيع السندويش -على الماشي- في جميع الأحياء الشعبية أو الراقية على السواء. فهنا فكرة “Food truck” أو شاحنة الطعام رائجة جداً ومن التجارب السورية في هذا المجال سطع “باب الجنان”.
غيث ناشد، صاحب المشروع الجميل يقدم لنا الأكل الحلبي وغيره في برلين، ويروي لقراء أبواب تجربته بما فيها من تحديات ومصاعب ونجاحات…
“أكل الشارع – street food“، منتشرٌ في ألمانيا بشكلٍ كبير، وهو طعام شعبي تعتمد عليه الأسواق الشعبية وأسواق الآحاد والاحتفالات والكرنفالات، ولكن للأسف في بلادنا العربية لم يأخذ هذا الطعام حقه بشكل كامل، حيث التصقت به هناك صفة غير نظيف أو غير آمن.
ومن الأفكار المنتشرة هنا أيضاً الكيترينغ “Catering” أو تقديم المأكولات للحفلات والمناسبات، وقد بدأت تجربتي في هذا المجال عام 2016، حين كنت أنا وأصدقائي في مهرجان “هلو فيستيفال” حيث كان هناك ما يسمى (refugee street food)، والذي يقدم كل أسبوعين تقريباً فيما يشبه الاحتفالية مطبخاً تقليدياً لبلدٍ مختلف، وكانت فكرتي هي تقديم المطبخ الحلبي وأيضاً بعض المأكولات البحرية.
حصل الأمر كله صدفة…
اتصلت بي صديقتي وسألتني عن “شيف” مهتم بتقديم المطبخ السوري في هذا المهرجان، ولكن للأسف لم أجد أحداً مهتماً يومها، لذلك سألتها إن كنت أستطيع أنا المشاركة في هذه الاحتفالية وتنظيمها. وبالفعل هذا ما حصل، بالطبع أخذت المشورة المطبخية من أمي وعمتي وبعض الأصدقاء، قررنا تقديم طبخة مشهورة من المطبخ السوري محاولين الابتعاد عن المأكولات العربية المتداولة في ألمانيا مثل الفلافل والحمص.
في نهاية المهرجان كانت ردود الأفعال الإيجابية من الجميع كثيرة جداً رغم أنها كانت المرة الأولى التي أقوم بها بالطبخ بهذه الكمية وهذه الحرفية. وفي ذلك اليوم تعرفت أيضاً على شخصين سيصبحان لاحقاً شركائي في المشروع، لنشكل نحن الثلاثة فريقاً منسجماً لكلٍ منا مهامه التي أداها بشكلٍ جيد جداً، و بشكل جدي قمنا بدراسة مشروع مشترك هو “عربة الطعام/ شاحنة طعام تقدم الطعام الشعبي السوري أو الستريت فود.
وقررنا أن نقدم المأكولات المتنوعة ما بين المطبخ الشامي والحلبي وغيرهما مرتين في الشهر، وبالفعل باشرنا العمل منذ العام 2016، في أكثر من مكان وكانت الأصداء جميلة جداً. ومن ثمّ تطور المشروع وتضمن قسمين؛ الأول يقدم الطعام الشعبي “فلافل، مشاوي” على سبيل المثال، والثاني (catering service) تقديم الطلبات الخارجية من طبخ وتنظيم للعزائم والحفلات الخاصة.
من الصفر…
كانت البداية صعبة ومليئة بالتحديات في ظل عدم وجود تمويل ولا رأس مال نهائياً، فكنا نستأجر مطبخاً من أحد المطاعم لبضع ساعات ليلاً بعدما يغلق المطعم أمام الزبائن، ويتوجب علينا خلال هذه الساعات إنجاز كل شيء. وساعدنا في تلك المرحلة وجود العديد من الأصدقاء والمعارف والمنظمات، الذين أحبوا فكرة المشروع وقاموا بدعمنا مادياً لتأمين الاحتياجات الأولية من مواد وأجور توصيل طلبات وما إلى ذلك.
وبالتأكيد يمكن القول أن مدينة برلين بحد ذاتها، هي مدينة مساعدة للمشاريع الصغيرة، وللأشخاص الذين يبدأون مشاريعهم الجديدة فيها رغم قلة الموارد، فهي مدينة منفتحة ومرحبة وهذا من أجمل ما فيها، كما أنني كأغلب السوريين هنا، تعلمنا أن نعمل في ظروف قاسية غير متكاملة، في حين أن الألمان غالباً لا يستطيعون العمل ما لم تكن الظروف والأدوات والبنية التحتية كاملة.
اقرأ/ي أيضاً: سيدات سوريات ينجحن في إقامة وإدارة مشاريعهن في ألمانيا.. “ياسمين كيترينغ”
كانت مرحلة تسجيل الشركة هي الأصعب، تمكنا بعدها من تدخيل أرباح نظامية على الشركة رغم المعاناة التي واجهتنا كلاجئين يقومون بفتح عملهم الخاص وخصوصاً مع البنوك، وبالطبع استخدمنا الأرباح التي حصلنا عليها في تلك المرحلة لشراء المعدات وتطوير المشروع. وأصبح لدينا أخيراً معداتنا الخاصة كما تعاقدنا مع عدد من المطابخ لفترة ما يقارب السنتين… كانت فترة متعبة وصعبة جداً على الجميع. وبدون شبكة العلاقات لما نجحنا بتحقيق كل ذلك بتلك الظروف، وأعتقد أنني أعيش حتى الآن على شبكة العلاقات هذه.
باب الجنان في العلالي
المهم أننا في عامي 2018 – 2019 نجحنا بمشروع الفود تراك “باب الجنان” وكنا نخرج بها إلى الأسواق المختصة بالأكل المتعدد الجنسيات والمهرجانات والفعاليات الاجتماعية والأنشطة الجماعية المتنوعة، وفي نفس الوقت نجحنا في الكيترينغ للحفلات والمنظمات والشركات التي تقدم الوجبات لموظفيها، رغم أنه لم يكن للشاحنة ولا لمطبخنا مكان ثابت. فأصبح هذا العمل مصدر دخل جيد لنا أنا وشركائي، دون الحاجة إلى مكان ثابت نجمد فيه رأس مال ما كنا نمتلكه أصلاً، عدا عن أن المكان الثابت كان سيحتاج إلى رأسمال أولي وتشغيلي عالي ونسبة الفشل عالية أيضاً، ولذلك تلافينا هذه الخطوة.
كل شيء سار على مايرام قبل الكورونا، وكانت لدينا حجوزات عديدة لل 2020، لكن بداية 2020 حملت معها الجائحة، وبدأت الحجوزات تُلغى واحداً بعد الآخر، ليتتوقف كل شيء فجأة، بقيت متجمداً بعدها لفترة إذ لم أعرف ماذا سأفعل. لكنني سرعان ما بدأت العمل مع منظمة “Be an angle” بمشروع خيري لتأمين الطعام للمشردين لبضعة أشهر.
في تلك المرحلة كان الشركاء قد انفضوا وبقيت وحدي في الشركة، وبعد ذلك انضم إلي مستثمر وأسسنا شركة نظامية GMBH، وهذه المرحلة كانت صعبة جداً فيها عوائق في اللغة والإجراءات والتسجيل واللغة، وكذلك الأصعب نيل ثقة البنوك، يمكن تخيل أننا نمثل أقصى درجة خطورة بالنسبة لأي بنك: تأسيس شركة GMBH في مجال المطاعم، في فترة كورونا ويملكها لاجئون بإقامات محدودة. ولكن كشركة أصبح المجال مفتوحاً أكثر أمامنا لفتح خطوط اخرى للعمل، مثلاً بدأنا علامة تجارية لصنع المعلبات لمأكولاتنا المتنوعة، وأسميتها “يالله” لكي تعبر عن برلين وسرعتها.
عوائق كورونا
الآن الأوضاع صعبة وتستمر بالسوء، التجمعات ألغيت وشروط التباعد الاجتماعي تجعل الحجز في الأسواق صعب أو شبه مستحيل، كما يصعب إيجاد أماكن ثابتة للشاحنة، والمشاركة في الإيفينتات والمناسبات والأسواق. نعمل حالياً على الديليفري، الطلبات أونلاين، المعلبات أيضاً والتي يتم شراؤها أونلاين، ورغم أنه مجال جديد علينا لكننا كنا دقيقين جداً تعلمنا من المنافسين ومن الفيدباك الذي يصلنا من المشترين حتى نحسن الكواليتي. وحالياً نعمل ضمن مطعم (Himmel 8)، وهو المكان الثابت الذي استقرينا فيه حالياً ونحن نقاوم كما في الموجة الأولى والثانية والثالثة أيضاً، وهذا الثبات سيجعلنا ننجو بعد أن صار لدينا عدة قنوات للعمل.
ساعدنا بالطبع، تخفيض أجرة العقار نتيجة كورونا، كذلك مساعدة الدولة لأصحاب المشاريع، لكنها للأسف توقفت حالياً بسبب تكرار الاحتيالات.
تخوفات… لكننا نتابع السير
انخفاض القوة الشرائية للترفيه، فرغم أن المطاعم أساسية إلا أنها يمكن الاستغناء عنها أحياناً وهذا ما يخيفني، سيما أننا لا نقدم منتجات تجارية رخيصة، أما التخوف الثاني فهو أن يكون الصيف القادم أسوأ من السابق من حيث الطفرات وبطء اللقاح، وبالتالي لن يتحسن الوضع وتعود أجواء العمل والسياحة والمهرجانات.
أنا قلق حالياً.. للأسف بعد كورونا ما عدت أستطيع بناء توقعات للمستقبل، هناك أفكار وأحلام ومشاريع متخيلة للمستقبل لكننا نعمل حالياً فقط للنجاة والاستقرار وحماية ما أنجزناه حتى الآن ريثما تنتهي أزمة كورونا.
غيث ناشد من حلب، وصل ألمانيا في سبتمبر 2015 خريج تجارة واقتصاد مواليد 85، درس C1 كان يعمل مع منظمة سينغا ثم أصبح مساهماً فيها، 2015 و 2016 قبل أن يبدأ بمشروعه الخاص “باب الجنان” والذي منحه هذا الاسم نسبةً إلى أحد أبواب مدينة حلب التسعة.
صفحة باب الجنان على الفيس بوك: Bab al-Jinan
صفحة باب الجنان على انستغرام: babaljinan