فادي جومر
استطاع مصطلح “الاندماج” أن يحقق تفوقًا باهرًا على “مثلث برمودا” و”تماثيل جزيرة الفصح” و”اختفاء الطائرة الماليزية”، باعتباره أحد أكثر الأشياء غموضًا على ظهر الكوكب.
ونظرًا لتصريحات المسؤولين الألمان التي تربط الإقامة “الواضحة” في ألمانيا بضرورة الاندماج “الغامض”، فإن من الضروري أن يبحث اللاجئون عن معنى الاندماج ليستطيعوا تنفيذ المطلوب منهم للبقاء في الجنة الألمانية.
تبدو القضية بدايةً بسيطةً، عليك أن تتلزم بالقوانين، تتعلم اللغة الألمانية، ثم تجد عملاً، وتدفع ضرائبك.
لكن سلسلة القوانين والتصريحات الألمانية تظهر أنّ القضية أعقد من هذا بكثير.
فمثلاً تحدد لك الحكومة الألمانية مكان إقامتك، دون أن توفره لك بالطبع فعليك أنت أن تبحث عنه، وذلك في خطوة مذهلة الحكمة والبراعة لإكمال عملية اندماجك. والتبرير العلمي لهذه الفكرة، بحسب المسؤولين الألمان: كي لا يتكتل اللاجئون في المدن. أي أنه من اللااندماج أن يسكن اللاجئون في مناطق متقاربة، أو يعملوا معًا أو يفتتحوا محالاً تبيع موادًا غذائيةً من مطبخهم التقليدي.. ولذلك احذر عزيزي اللاجئ: كل زيارة لشارع العرب في برلين، كل وجبة تأكلها من مطعم عربي، كل شراءٍ ترتكبه لعلبة ملوخية، أو كيلو “كشك” هو خطوة تعيق اندامجك.. التزم بسلاسل المحال الألمانية، وابحث عن المطبخ الألماني، وإن وجدته قبل أن تموت من الجوع: التزم به. وإلا ستصبح غير مندمج مثل ملايين الألمان الذين يأكلون “الدونر” والفلافل.
والحذر كل الحذر، من تواصلك مع لاجئين مثلك، أو زيارتهم أو الوقوع في المحظور وانشاء صداقات معهم.. ستكون هذه ضربة قاصمة لاندماجك الألماني، وستندم حين لا ينفع الندم.
ومع تطور الأبحاث الاندماجية بدأت تظهر معايير أعقد، ترتبط بالمزاج والنوايا والأفكار.. فانطباعاتك عن الرئيس التركي، والتركي فقط، ولا أحد غير التركي: يمكن أن تكون مؤشرًا خطرًا على مستوى اندماجك.. ولا تقلق إن كنت من عشاق الديكتاتوريات، فقواعد الاندماج تتيح لك التعبير عن غرامك ببشار الأسد، أو حتى يمكنك زيارة ملك السعودية، وعقد صفقات هائلة معه، دون أن يؤثر ذلك على اندماجك بأي شكل.. بل إنك قد تجد نفسك وقد عدت من زيارتك، لتكسب جولات مهمة في الانتخابات المحلية، صوت فيها مواطنون لا يحتاجون اندماجًا بالتأكيد، دون أن يكون لسياسات تشديد الخناق على وصول اللاجئين، وتضيق حريات من وصلوا أي أثر بالطبع على أصواتهم.. اِكره اللاجئين عزيزي اللاجئ، بكامل اندماجك البهي، وغازل ما تشاء من الديكتاتوريات: إلا أردوغان، كي لا ينهار اندماجك دفعة واحدة.
ولكي تكتمل العملية المعقدة، وتصبح لاجئًا ناضجًا مكتمل الاندماج، ويرضى عنك الدامج الأكبر رضًا كاملاً، فلا بد من تمثل القيم التي يرى كبار الدامجين أنها ضرورية لكائن مثلك عزيزي اللاجئ، وعلى رأسها: قبول الآخر، واحترام الثقافات الغريبة عنك، والتفهم الكامل لحرية الأفراد في معتقداتهم وسلوكهم، ضمن القانون طبعًا، وهكذا ستمشي خطوات واثقة في طريق الاندماج الشاق، وتحصل على الإقامة الدائمة، وبعدها على الجنسية، وتصبح مواطنًا ألمانيًّا كامل الحقوق، مندمجًا حتى الذوبان في المجتمع الألماني، وتستطيع بالتأكيد حينها التصويت لحزب البديل من أجل ألمانيا، مثل مئات الآلاف من الألمان، ولا تقلق حينها من أن يعتبر تصويتك لحزب يمني شعبوي يكرس في خطابه: كره الآخر، وكره الثقافات الغريبة، وعداء الاتحاد الأوروبي، ودعم الديكتاتوريات في العالم، ولا يرى في اللاجئ إلا كائنًا جشعًا، جاء إلى ألمانيا طلبًا للمساعدات. أن يعتبر تصويتك هذا لااندماجيًّا، فهذه تفاصيل تافهة لا تقدم ولا تؤخر في عملية الاندماج، وإلا ما كانت الحكومة الألمانية، الساعية لنيل لقب أعظم دامج في التاريخ، لتهمل مئات آلاف الألمان غير المندمجين، وتلتفت إليك لتدمجك دمجة لا يمكن تميزك بعدها.
—————————
* أطلق المجمع العربي للغة العربية اسم: الشاطر والمشطور والكامخ بينهما، على الشطيرة. وذلك في محاولة دمج اللغة العربية مع متطلبات عصر الوجبات السريعة.