طارق فكري*
يُعتبر الخوف السياسي أداةً من أدوات الأنظمة السياسية الديكتاتورية لإخضاع الأفراد والمؤسسات، وإحداث حالة توازن لدى صُناع القرار المعارض تصبّ في صالح النظم الديكتاتورية.
حيث يؤدي العنف السياسي واستخدام القوة العسكرية مثلاً إلى تحقيق العنف لوظيفتين؛ إحداهما إخراس المعارض وإحداث حالة من الخرس و الخوف السياسي ، والأخرى صناعة طبقة من المؤيدين للنظام بدافع الاستقرار، وهذا ما ذكره ميكافيللي في كتابه الأمير؛ كما يؤدي ذلك لوجود طبقية شعبية سياسية، وعلى سبيل المثال، ما حصل عندما أحرق الفرنسيون القاهرة واغتصبوا نساءها وسلبوا أموالها، فكان ضحية التوظيف السياسي للخوف حينها “شيخ بندر” التجار الحاج مصطفى البشتيلي، وهو من قادة المقاومة ضد الاحتلال، والذي تم تجريسه وإجلاسه على الحمار بالمقلوب والمشي به في شوارع القاهرة، فنال موتَه على يد دعاة الاستقرار الذين ضربوه وشتموه واتهموه هو ورجاله بالتسبب بما حدث للمحروسة وأهلها. لم يجد الرجل آنذاك فرقة مقاومة تنقذه من يد الفرنسيين لأن الخوفَ أخرس أهل مصر.
تم أيضاً توظيف الخوف سياسياً تحت شعار “أنا أو الفوضى”، وذلك عبر المراهنة على سلوكيات الشعب وأخلاقياته في حالة غياب سلطة الدولة، مع استخدام أذرعٍ للسلطة لإرباك الوضع المجتمعي وإشاعة الفوضى؛ مما يؤدي إلى محصلة التأسف على النظام الديكتاتوري بأيامه المستقرة، ولهذا يتوجب أن نبني داخل الوجدان الشعبي أنَّ “أنا أو الفوضى” هي في واقع الأمر فوضى منظمة تصب في صالح النظام، فوضى قد تبقى لسنوات، بل قرون.
كما استخدمت الأنظمة الاستبدادية وسائل الإعلام ورجال الدين، لتوظيف الخوف سياسياً، فكان للإعلام الحظ الأوفر من هذه المهمة، ولرجال الدين دورٌ هام أيضاً، حيث قام رجال الكهنوت الديني بالتأصيل لهذا التوظيف السياسي للخوف عن طريق فتاوى تمنع المواطن العادي من الخروج على الحاكم -وإن جلد ظهره وسلب ماله- ليتحول الخوف السياسي إلى دين يعبد، فتسن له السنن وتقام له الفتاوى ليؤصل للظالم ظلمه، ويبخت من عاش مظلوماً لا ظالماً.
أما النظم الديمقراطية في العالم الغربي، فقد استخدمت الخوف السياسي لإحكام سلطتها وتمرير قراراتها، وهذا ما قام به ترامب مثلاً في حملته الانتخابية، حيث استخدم قضية المهاجرين واللاجئين كفزاعة، ووظفها توظيفاً جيداً فانتخبه الأمريكيون الخائفون، من أجل وقف تدفق المهاجرين الذين قد يشكلون خطراً سواء في الاستيلاء على فرص العمل أو تغيير وجه الهوية الأمريكية. وفي هذا مقاربة لما قام به بوش الابن حين استخدم فزاعة الإرهاب إثر ضرب برجي التجارة في نيويورك، لينال الموافقة الشعبية والنيابية لحرب القاعدة في أفغانستان.
لابد من الإشارة أخيراً إلى أن الخوف السياسي ليس دليلاً على غياب الوعي السياسي، فكلاهما عرضة للاستغلال من خلال التوظيف السياسي للخوف، حتى في أنضج المجتمعات في مسار الحرية والديمقراطية.
*طارق فكري – كاتب وباحث سياسي
اقرأ أيضاً:
حنظلة ناجي العلي، طعم الحنظل…
ابنتي وأنا وأنغيلا ميركل