حنان جاد . صحفية مصرية مقيمة في أميركا
عندما فصلت الحكومة الأمريكية بين الأطفال اللاجئين القادمين عبر الحدود الجنوبية وأهاليهم المحتجزين بتهمة عبور الحدود بشكل غير شرعي، ادعت أن ذلك لتوفير ظروف أكثر ملائمة للأطفال. يعرف الجميع أن الهدف الحقيقي كان ولايزال تخويف اللاجئين وثنيهم عن تلك الرحلة التي قد تكلفهم فقدان أبنائهم، مع ذلك لم يشك أحد في أن طفلاً تحت رعاية الحكومة الأمريكية سيكون بخير.
لاجئ من هندوراس هدأ ابنته البالغة أربع سنوات قبل أن يأخذها الحراس من بين يديه قائلاً: (لا تخافي، سيأخذونك إلى مكان أفضل). مع توالي أخبار حدوث وفيات بين الأطفال اللاجئين هؤلاء بسبب الجفاف أو الأنفلونزا، (سبعة أطفال ماتوا خلال ستة أشهر)، قليل من الشك تسرب إلى النفوس، في النهاية هذه أمريكا لا دولة من دول العالم الثالث.
بالصدفة البحتة زار موكب التفتيش الحكومي الشهر الماضي لأول مرة مخيم إيواء أطفال على الحدود الجنوبية الأمريكية. المفتشة توجهت بعد الزيارة مباشرةً إلى وسائل الإعلام على غير عادة موظفي الحكومة، هتفت فزعة على شاشة التلفزيون: “لا يمكنني تصور أن ذلك يحدث في أمريكا، كنا نتساءل كيف مات الأطفال السبعة، الآن نعرف”.
وصفت المفتشة المكان بأنه مزدحم للغاية بأطفال من كل الأعمار أصغرهم يبلغ أربعة أشهر ونصف، ملابسهم ملوثة بالبقع والخراء، لم يستحموا منذ أسابيع، لا يوجد بالغ يعتني بهم سوى حرس الحدود، ينامون على الخرسانة تحت إضاءة متواصلة 24 ساعة باليوم ويتغطون بورق الألمنيوم، يتناولون البوريتو المثلج والهوت دوغ كل يوم وتنتشر بينهم الأنفلونزا!
توالت الزيارات بعد تلك التصريحات الصادمة من قبل محامين وأطباء وأعضاء كونجرس على مدار الشهر الماضي، وتوالت تقارير أخرى تنقل الصورة من داخل مخيمات إيواء أخرى، صورة أكثر قتامة، تحكي عن انتشار القمل والجدري والجرب، وعن جوع، وبكاء دائم، ومحاولات انتحار بين الأطفال.
داخل قاعة المحكمة وقفت محامية الحكومة تجادل القاضي في أن الحكومة ليست مسؤولة عن توفير صابون وفرش أسنان وبطاطين لهؤلاء الأطفال. سألها القاضي: (أليست مسؤولية الحكومة توفير شروط السلامة والصحة في أماكن الاحتجاز؟) نظر القاضي مذهولاً إلى المحامية وإلى الناس في القاعة: (ألا يتفق معي الجميع؟! ألا تتفقين معي أنت أن غياب الصابون وفرش الأسنان والبطانيات يعني عدم توفر شرط السلامة والصحة؟!)
المحامية احتجت بأن الاحتجاز في تلك المخيمات مؤقت.
حسب القانون، لا يجوز احتجاز الأطفال لأكثر من 72 ساعة بعدها يطلق سراحهم ويطلق سراح من يرافقهم من الأهل، وهذا ما يدفع معظم اللاجئين إلى أمريكا عبر الحدود الجنوبية إلى القدوم بصحبة أحد أطفالهم، لكن القانون معطل على الأرض حالياً بما يخص أطفال اللاجئين بل يحتجزون لأسابيع وأشهر.
عشرات من أهالي المناطق التي تقع فيها مخيمات احتجاز الأطفال توافدوا عليها بعد أن تسربت الصور المريعة من داخلها، حمل الأهالي حفاضات ووجبات طعام وصابون، وقفوا على الأبواب يرجون: (من أجل الله، إنهم أطفال). لكن الحراس رفضوا استلام تلك المساعدات من الناس.
المفاجأة التي فجرتها مفتشة الحكومة أن التكلفة التي يتحملها دافعوا الضرائب عن إقامة الطفل الواحد في تلك المخيمات تبلغ 750 دولار في الليلة الواحدة! نعم، 750 دولار أمريكي للطفل الواحد في الليلة الواحدة.
كل طفل قدر له أن ينتقل من مخيمات الايواء الحدودية إلى مؤسسات الرعاية داخل أمريكا التقى مشرفاً اجتماعياً وحكى تفاصيل ما جرى له داخل المخيم، تقارير المشرفين الاجتماعيين تحفل بانتهاكات من كل نوع مورست بين الأطفال اللاجئين هؤلاء، بعض تلك التقارير يقبع في أدراج الحكومة منذ أشهر، التحقيقات أيضاً كشفت عن مجموعة مغلقة على الفيسبوك؛ أعضاؤها من حرس الحدود؛ يتبادلون تعليقات عنصرية ضد اللاجئين.
وقد أعلنت رئيسة هيئة حرس الحدود أنها تتعامل بكل جدية مع الادعاءات الموجهة ضد (أفراد) من الهيئة، إلا أن التحقيقات كشفت أن الأمر ربما يتجاوز السلوك الفردي إلى الثقافة المؤسسية، فعدد أعضاء تلك المجموعة على الفيسبوك يبلغ نصف عدد ضباط حراسة الحدود تقريباً كما أن رئيسة الهيئة أحد هؤلاء الأعضاء.
إقرأ/ي أيضاً:
سؤال “بريء” يؤدي إلى ترحيل اللاجئين من أمريكا
أمريكا… عودوا من حيث أتيتم اكتمل العدد
اللجوء المفتوح للكلاب دون البشر: ربع سكان أميركا من الكلاب!
في عيد الشكر.. ثورة تصحيح على النيويورك تايمز