روندا فواز دراغمة او كما يعرفها الجميع ليندا شبانة، اسم متألق لشخصية عربية نموذجية تمكنت من تثبيت أقدامها بجدارة في المجتمع الألماني، لتصل في سلم التميز إلى درجات عالية باسقة. ولدت جنوب لبنان لأسرة فلسطينية بشهادة ميلاد سورية حيث أن تسجيل المواليد الفلسطينيين كان ممنوعًا في لبنان آنذاك .
عاشت طفولتها المبكرة في حل وترحال تتنقل بين الأردن ولبنان وتونس مع أسرتها، حتى بلغت السادسة من عمرها، فانتقلت برفقة عائلتها الى النمسا ومن ثم الى ألمانيا. وهي الآن تحمل الجنسية الألمانية. وكغيرها من النساء الطموحات اللاتي لاتثنيهن عن تحقيق أحلامهن عوائق، انتسبت إلى أكاديمية الملك فهد في مدينة (بون) وتخرجت من المرحلة الثانوية بتقدير عالٍ ومتميز. لكن وبدل ان تكمل مشوارها التعليمي رضخت لرغبة أسرتها فدخلت الحياة الزوجية؛ إذ إن اسرتها في تلك الفترة كانت تفضل أن تلتزم الفتاة منزلها فهو أضمن لها وأدعى للحماية في مجتمع متحرر إلى أبعد الحدود .
ارتبطت بشاب يدرس في كلية الطب (وائل شبانة) وأنجبت ليندا (روندا) أربعة أطفال… وحين دخل آخر أطفالها الروضة شعرت أن هدفها الأسمى قد أخذ مكانه الصحيح وذلك من خلال الاهتمام بزوجها وأسرتها وأطفالها وتنشئتهم على الاخلاق والمباديء والقيم الصحيحة. فالتفتت لتبدأ بحلمها الثاني وهدفها المنشود الذي لم تنسه يومًا رغم كل المعوقات. حلم لطالما تشبثت به وتمسكت بتلابيبه.
انتسبت الى جامعة Fern uni Hagen للتعلم عن بعد. ودرست علم النفس لمدة سنتين ثم تحولت إلى الحقوق، غير أن طموحاتها وميولها كانت بعيدة كل البعد عن ذلك وبقيت في رحلة بحث عن ذاتها حتى تمكنت في النهاية من التحويل الى كلية السياسة والإعلام. ولايخفى على أحد تأثير والدها على قرارها وهو السياسي الذي تمنى لابنته ان تخوض مجالاً مشابهاً لمجاله فكانت له اليد الطولى في تحديد بوصلة اتجاهها وتثبيتها على جهة محببة لديها.
انضمت ليندا فيما بعد الى جمعية نسائية تضم العديد من السيدات من مختلف الجنسيات Interkulturelle Frauengruppe في مدينة Vlotho وكعادتها لفتت انتباه الجميع لما تتميز به من حضور ولباقة في الحديث وقدرة على الإقناع، فطلب منها أن تكون مسؤولة عن تنظيم المحاضرات في هذه المجموعة وإلقائها وإدارة محاورها، وقد تم ذلك بالفعل واستضافت في تلك المحاضرات العديد من الوزراء والشخصيات السياسية وسلطت الضوء مراراً وتكراراً على قضيتين هامتين (فلسطين- الحجاب)، وانبرت من خلال محاضراتها للدفاع عن المرأة المسلمة، والمطالبة بحقوقها في العمل والاحترام وإعطاء الفرص المتكافئة مع غيرها من الألمانيات. ومن خلال محاضراتها تلك لفتت انتباه مديرة مدرسة Gymnasiums Bad Onynhausen فاستضاقتها في المدرسة للحديث عن المرأة المسلمة في ألمانيا وطموحاتها ومعوقات تقدمها. ولمع نجمها فاستضافتها العديد من الجامعات لإلقاء محاضرات عن فلسطين وقضايا الشرق الأوسط. وعن المرأة العربية ومشكلاتها. كجامعة Universität Hagen وجامعة Universität Köln، هذا التقدم فتح أمامها أبواباً كثيرة لم تتوقع يوماً أن تطرقها. فانضمت مع زوجها الى جمعية Hammer forum وهي منظمة انسانية تعنى بالأطفال المصابين بمرض القلب، فتجمع التبرعات لإحضار أطفال من افريقيا وعلاجهم هنا.
وبجهود ليندا وزوجها الطبيب وائل شبانة تمكنوا من إحضار أطفال من اليمن ايضاً لعلاجهم. كانت ليندا أماً رؤوماً لهؤلاء الأطفال القادمين بمفردهم دون ذويهم على الرغم من انشغالها بالتحضير للماجيستير ومايتطلبه منها من وقت وجهد وتعب، وعلى الرغم أيضاً من مسؤولياتها الجسيمة الأخرى كانت تستضيف هؤلاء الاطفال في منزلها وتعتني بهم طيلة فترة العلاج وترافقهم الى المشفى وإلى المواعيد الطبية في العيادات، وتقوم بإرسال الرسائل الى ذويهم لطمأنتهم حيث ان من شروط المنظمة جلب الاطفال بمفردهم ليتسنى لهم إحضار أكبر عدد ممكن من الأطفال، وذلك لقلة الموارد والتبرعات المتاحة التي لاتسمح باستقدام الأسر ومرافقة أطفالها. خصوصاً بعد الحملة الشعواء من قبل الإعلام الغربي ضد الإسلام والمسلمين فتوقفوا عن التبرع بحجة ان المبالغ المتبرع بها تذهب لمعالجة الارهابيين العرب. وبعد جهود مضنية من قبل المنظمة تمكنت من إقناع المتبرعين بمعاودة التبرع، وقد تمكنت المنظمة مؤخراً من السفر إلى غزة لمعالجة المرضى وجلب بعض الأطفال لعلاجهم هنا، وستفتح لهم ليندا قلبها وبيتها كما كانت دوماً ولن تتوانى عن مساعدتهم بصحبة زوجها الذي يعمل Chefarzt في مشفى Mecherich kranken haus، وهي تصدح بصوت عالٍ وتناشد من له باع بهذه الامور في الدول العربية ان يتواصل معها لجلب أطفال من كافة الدول العربية بغرض العلاج. هذه الأعمال الخيرية غيض قليل من فيض كثير أوصلت ليندا للفوز بالجائزة الأولى ل(أفضل5 نساء قويات تحدين الصعاب) على مستوى ألمانيا، والتي أفحمت المذيعة الالمانية حين سألتها كيف تمكنت وهي أم وتقوم بهذا الكم الهائل من الأعمال الخيرية من الوصول إلى هذه المرتبة وخصوصاً أنها مسلمة، فأجابتها ليندا: “أنا انسانة مثلك تماماً، أملك عينين وشفتين وأنف، والأهم من ذلك أمتلك عقلاً نيراً منفتحاً، والححاب الذي تلمحين ليس بعائق لذلك ابداً”. وكان هذا الجواب هو النقطة الفاصلة التي أوصلتها للفوز في المرتبة الأولى.
لم تقتصر ليندا على ذلك بل وأثناء إجازتها في مصر استغلت الوقت وقامت بالتسحيل في دورة للتزيين (تزيين العرائس)، لما شهدته هنا من صعوبة الأمر على المحجبات وفتحت بيتها لتزيين العرائس العربيات المحجبات دون مقابل، كل ذلك في تشجيع منها على كل عمل خير يحمل المنفعة للآخرين دون مقابل. ليندا المرأة العربية القوية بمبادئها وطموحاتها، الرقيقة بإنسانيتها وتعاملاتها، المسلمة الفخورة بحجابها، والتي تحمل من الحب مايؤهلها للفوز على مستوى العالم بكونها من العرببات القادرات على تجاوز التحديات وإثبات الذات في بلاد الغرب.
أمل محمد سعيد العكش