حينما جاء المواطن السوري محمد خيرالله ليقيم ببلدة بروسبيكت بارك بولاية نيوجرزي في العام 1992، لم يكن يتخيل أنه سيصبح يومًا ما رئيسًا لبلديتها. وكان آنذاك في السنة قبل النهائية من المرحلة الثانوية.
قبل مجيئه إلى الولايات المتحدة كانت حياة خيرالله تدور حول الفرار من الحرب. في العام 1980، وخلال أول انتفاضة ضد الرئيس السوري وقتئذ، حافظ الأسد، لجأ خيرالله، الطفل ذو الخمس سنوات، مع عائلته إلى السعودية. وبعد 11 عامًا وعقب حرب الخليج، انتقل هو وأسرته ثانية- هذه المرة- إلى الولايات المتحدة.
وفي كل مرة انتقل فيها خيرالله عاش صدمة ثقافية، لكن هجرته إلى الولايات المتحدة كانت بعيدة كل البعد عن أية تجربة أخرى.
قال خيرالله: “كان عليّ أن أتكيّف مع ثقافة غير شرق أوسطية وأن أتعلم لغة جديدة. لهذا كان ذلك يمثل تحديًا كبيرًا بالنسبة لي. لكن أعتقد أن تلك التجربة هي التي صاغت شخصيتي الحالية.”
وهو يتذكر دخول فصل دراسي بصحبة بنات لأول مرة وقال وقتها: “يا إلهي، هذا شيء مذهل.”
كما كانت هناك نواح في البلدة التي أقام فيها بنيو جرزي ذكَرته بموطنه. في أحد الأيام أثناء توجهه إلى المدرسة ذكر أنه مرّ بجانب لافتة سياسية عليها اسم عربي، وهي لحظة، كما يقول، “غرست بذرة” الدور القيادي الذي تبوأه لاحقًا.
ولوج الحياة الساسية الأميركية
يقول خيرالله إن بروسبيكت بارك البالغ عدد سكانها 6000 نسمة والتي تبعد 35 كيلومترًا عن قلب نيويورك لطالما كانت مجتمعًا مرحبًا بالمهاجرين. وحينما تقدم للعمل كإطفائي متطوّع في العام 1994 بدلّت البلدة القواعد المتبعة بحيث سمحت لغير المواطنين الأميركيين أن ينخرطوا في فريق الإطفاء.
وقال: “أن أصبح إطفائيًا متطوعًا كان شيئًا أتوق إليه، لكن في السعودية إذا لم تكن مواطنًا لن يكون بمقدورك عمله. وهكذا تمكنت هنا من عمل ما كنت متحمسًا لعمله على الدوام.”
وفكرة دخول العمل السياسي كان مصدرها إطفائيون متطوّعون ممن شجعوا خيرالله على الترشح. وهكذا في العام 2001 قام بذلك بالضبط وبعد عام من حصوله على الجنسية الأميركية. ويقول خيرالله: “شيء قاد إلى آخر.”
وهو أراد أن يرد الجميل لمجتمعه وهي صفة يقول عنها إنها شائعة بين الأميركيين المسلمين.
والآن وهو في ولايته الثالثة رئيسًا للبلدية، يمثل خيرالله بلدة تبلغ نسبة العرب والمسلمين فيها 15 في المئة.
سيرته الشخصية على إنستاغرام تلخص ما يتميّز به: “كونه رئيس بلدية أميركيًا، تصادف أنه مسلم.”
العودة إلى سوريا
وخيرالله لم ينس قط ماضيه، فقد حرص على العودة بانتظام إلى سوريا في مهمات للإغاثة الإنسانية. وقد عاد سبع مرات منذ اندلاع الحرب في سوريا لإيصال غذاء ولوازم إلى مدارس ومستشفيات محتاجة. ومؤخرًا ساعد في تأسيس مستشفى تحت الأرض في حلب بالنيابة عن الجمعية الطبية السورية الأميركية وهي مؤسّسة ساهمت في علاج 2.6 مليون مريض في المنطقة بمن فيهم 320 ألف لاجئ.
وخيرالله كما قرينته التي التقاها في سوريا وأولادهما الثلاثة، يتحدثون العربية في المنزل والإنجليزية خارجه، كي يمكن لأبنائه أن يجيدوا اللغتين. وهدفه بالنسبة لأبنائه هو تعريضهم للعالم، بجوانبه الطيبة والسيئة، وأن يعود إلى سوريا برفقتهم في يوم ما كي يمكنهم أن يطلعوا على “تاريخها الثري والجميل.”
ويقول خيرالله: “هناك الكثير من الحروب، والكثير من الأحقاد، وأنا لا أود أن يكونوا مصدرًا لذلك. إنما أود أن يصبحوا عناصر إيجابية في العالم.”
شير أميركا