في بلادنا، الغد فكرة لا يمكن تخيّلها!
محمد عبيدو
بعد 7 أعوام من العمل الدؤوب فاز الفيلم الروائي الطويل: “يوم أضعت ظلّي”، للمخرجة السورية “سؤدد كعدان” 38 عاماً، بجائزة “أسد المستقبل، لويجي دي لورنتيس”، ضمن مسابقة “آفاق” وذلك في الدورة الـ 75 (من 29 أغسطس/ آب وحتى 8 سبتمبر/ أيلول 2018) لـ “مهرجان فينيسيا (البندقية) السينمائي الدولي.
وقد عُرض الفيلم الذي صنعته المخرجة بعد عدد من الوثائقيات والأفلام القصيرة في المسابقة، حيث صوّر على الحدود السورية اللبنانية في العام الماضي، وفيه نتابع “سناء” وهي أم شابة تكافح لتربية ابنها البالغ من العمر ثماني سنوات، وذلك في سوريا التي مزقتها الحرب منذ العام 2011، حرب قادرة على سرقة كل شيء حتى المخيلة، حرب سرقت جميع أحلامها! بين غياب المياه وانقطاع التيار الكهربائي، قررت “سناء” أن تأخذ يوم إجازة للبحث عن مكان لشراء قنينة غاز للطهي، ولتتمكن من تحضير وجبة طعام لابنها. أثناء الطريق تلتقي “جلال” وأخته “ريم”، وهما يبحثان عن الشيء نفسه، فيتفقون على المشاركة في استئجار سيارة للرحلة. أمام نقطة التفتيش يشكّ الجنود بأن سائق السيارة ناشط سياسي، الأمر الذي يجعله يهرب من فوره خوفاً من الاعتقال، وليترك ركابه وحدهم في قرية صغيرة من ضواحي دمشق. فجأة تجد “سناء” نفسها عالقة في طرف المدينة المحاصر، هناك حيث تكتشف أن الناس يفقدون ظلالهم في الحرب.
الفيلم من تمثيل: سوسن أرشيد، رهام القصار، سامر إسماعيل، أويس مخللاتي، أحمد مرهف العلي، وفيما حضرت الممثلة السورية “سوسن أرشيد” بطلة الفيلم عرضه في “فينيسيا” رفقة زوجها الممثل السوري “مكسيم خليل”، لم يتمكن الممثل السوري “سامر إسماعيل”، والذي يشاركها بطولة الفيلم، من عبور الحدود السورية والسفر لحضور العرض، وذلك لعدم تمكنه من الحصول على موافقة من شعبة التجنيد في سوريا.
تقول المخرجة “سؤدد كعدان” عن فيلمها: “الفيلم كتب في بلاد الغد فيها هو فكرة غير قابلة للتخيل! ما هو الغد إن كنت تعيش تحت القصف المتواصل؟! الغد أصبح رفاهية، لهذا لا يحكي الفيلم عن المستقبل أو يتنبأ به، إنه يدور عن ثلاثة أيام فقط في حياة سناء في اللحظة الراهنة من تاريخ دمشق”.
ولدت المخرجة “سؤدد كعدان” في فرنسا العام 1979، وقد درست النقد المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية بسوريا، وتخرجت من جامعة القديس يوسف للدراسات البصرية والسمعية في لبنان. أخرجت وأنتجت عدة أفلام وثائقية لقناة الجزيرة الوثائقية ومنظمة الأمم المتحدة، كما عُرضت أفلامها في عدة مهرجانات محلية وعالمية، وحصلت على عدة جوائز منها جائزة “مارتن فيليب للاكتشاف”، و”جائزة النسخة الـ 29 من المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون”، كما حصلت على الجائزة الثانية ضمن مسابقة “المهر العربي للأفلام الوثائقية” في مهرجان دبي السينمائي الدولي.
أما فيلم “سؤدد كعدان” الأول: “ماينتين واغن”، فهو فيلم وثائقي قصير أنجزته في العام2008 ، وقدمت بعده فيلمها الوثائقي: “صدف دمشق وحكايات الجنة” وذلك في العام 2010. كما تقارب “سؤدد كعدان” في فيلمها القصير: “خبز الحصار” (11 دقيقة)، والذي صنعته في العام 2016، أسئلة إنسانية عميقة عن بشر لفحتهم الحرب بنارها الكاوية ومألاتها العبثية والجهنمية. ثم يتناول فيلمها “عتمة” الصادر في العام نفسه 2016 فكرة عماء البصيرة وفقدان الرؤية بالكامل، في الواقع والسينما. هو رحلة بحث عن أجوبة لأسئلة كثيرة، أسئلة تشكلت في زمن الحرب، فنجد أنفسنا كمشاهدين منغمسين في مخيم “شاتيلا”، ليوضح الفيلم لنا الحياة اليومية لطفل سوري اسمه “أحمد” يبلغ من العمر ستة أعوام ولا يريد أن يتذكر بأنه سوري، فلقد فقد أخاه الأكبر في الحرب، ويعيش مع عائلته في مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان. يعاني “أحمد” صدمة نفسية ويحاول الهروب من واقعه، فيفضل أن يبقى صامتاً ونائماً. يتيح لنا صمت “أحمد” أن نضع أنفسنا في واقعه القاسي الذي يجد نفسه فجأة مرمياً فيه. النظرة العميقة للشخصيات تستدعي التعاطف والتأثير، فالرؤية التي تقترحها المخرجة تختلف عن زاوية الرؤية المقدمة في وسائل الاعلام، المخرجة هنا تركّز على المشاعر، فوسط صور لانهاية لعنفها، يطرح الفيلم سؤالاً حول المستقبل، وبعبارة كعدان: “يستكشف استحالة التعبير اللفظي عما يحدث في سوريا الآن.”
في حوار لها مع “بي بي سي” تعتقد المخرجة “سؤدد كعدان” أن الحرب حرّرت السينما السورية، وخرّجت جيلاً جديداً استخدم لغة جديدة وتقنيات جديدة. وأن التحرر من الرقابة دافع أساسي للابداع.
لرؤية تريلر الفيلم:
https://www.youtube.com/watch?v=Iti6SQC_GT0
خاص أبواب
إقرأ/ي أيضاً:
مخرجات عربيات: رشيدة براكني: تجربة مميزة بين التمثيل والاخراج
لا أوسكارات تكفي لتكريم اليخاندرو غونزاليس إيناريتو
بالفيديو: خطاب جرىء جداً لأوليفر ستون، أحد أواخر رجال هوليود الصامدين في وجه الحكومات الأميركية