عبد الرزاق حمدون*
من راهن على قدرة باريس سان جيرمان بالتأهل للدور المقبل من مسابقة دوري الأبطال من بوابة ريال مدريد لربما كان مندفعاً بسبب عاطفته، أو لأنه انتظر حدثاً تاريخياً جديداً متمثّلاً بخروج الريال من هذا الدور، لكنّه نسي تماماً أن لا مكان للمفاجآت بدوري أبطال أوروبا وإن تواجدت فهي كالفقاعات تتلاشى مع مرور الوقت، تماماً كما حصل برباعية باريس على برشلونة في ذهاب الموسم الماضي لنفس الدور.
في مقابلة للأرجنتيني دييغو سيميوني مدرب أتلتيكو مدريد “الخاسر لنهائيي دوري الأبطال أمام ريال مدريد” يقول فيها: “بإمكانك الفوز على ريال مدريد في أي بطولة وأي مناسبة إلا دوري الأبطال، لأنها بطولتهم وهم متمرسين فيها”. كلام سيميوني جاء بعد تجربتين تذّوق بهما المرّ أمام جاره الكبير ليعترف بنفس المقابلة أن “الريال لا يهزمك بالحظ ولا بالصدفة، إنما يهزمك بتاريخه، بلاعبيه المعتادين على أجواء هذه المنافسة”.
تصريحات من مدرّب كتب اسمه بين عظماء عالم التدريب مثل سيميوني تعطينا فكرة على أنّ ريال مدريد في مسابقة دوري الأبطال يختلف تماماً عن أي بطولة أخرى حتى لو كان موسمه صفري محلّياً وكثرت التخبّطات فيه، لكن ذكر تاريخ الريال في البطولة الأعرق أوروبياً كفيلٌ بأن يعبر بزيدان ولاعبيه من محطّة حديقة الأمراء كما حصل أمس. وهو تأكيد حرفي لتصريح بيب جوارديولا مدرب مانشستر سيتي عقب مباراة الذهاب التي انتهت 3-1 لرونالدو ورفاقه، عندما وصف أن بطولة الأبطال وظروفها وأجواءها مختلفة عن أي شيء آخر.
لو عُدت وتابعت أهداف الريال في مباراة حديقة الأمراء وكيف جاءت من كرات مقطوعة بإصرار لاعبي الريال لإظهار الشخصية التي رسموها مؤخراً في هذه المسابقة، والتي تؤكد تواجدهم في المربع الذهبي أو حتى في المشهد الختامي للمسابقة. مكانٌ كبير يحتاج لاسمٍ كبير ولعظمة زيدان بعد أن برهن تفوّقه على نظيره ايمري، الذي ظهر بشكل الوضيع أمام قوّة وتحضير زيدان لهذه المواعيد، مكانٌ مميز لأرقام كريستيانو رونالدو الحاسمة في هذه المسابقة بعد أن حطّم رقماً جديداً وهو وصوله للهدف رقم 57 في الأدوار الإقصائية من هذه المسابقة، عدا عن تسجيله في جميع مباريات هذا الموسم 12 هدفاً، مكانٌ ينتظر سماع أناشيد جمهور ريال مدريد المتغنّية بالألقاب الـ12 عبر تاريخ البطولة.
إذا كان الريال هو أجمل ما جاء في أمسية الثلاثاء فعلى الطرف الآخر نكون أمام أسوأ نسخة للفريق الباريسي لهذا الموسم، ليس فقط فنّياً وإنما نفسياً بعد أن ظهر دي ماريا ورفاقه بهيئة الأشباح على أرضية الميدان، ولم يتوقف الأمر على اللاعبين إنما طال الدّكة ليصل إلى المدرب اوناي ايمري الذي أثبت للجميع أنه أضعف مدرّب في هذه المرحلة من دوري أبطال أوروبا، ولم يتعلم من خطأ مباراة الذهاب ليكرّسها بأخطاء الإياب وأهمها عدم زرع الروح بلاعبيه.
مسؤولو باريس سان جيرمان في ظل الصرف الهائل على الفريق لجلب نجوم من الصف الأول والطراز الرفيع، لم يخطر في بالهم أن الألقاب والتاريخ لا تشترى بالمال إنما البناء الصحيح يكون من داخل أسوار النادي، والعمل على إنشاء أكاديميات لصناعة أجيال قادرة على تمثيل الفريق مستقبلاً كما في برشلونة وريال مدريد وبايرن ميونيخ، لأن تكرار التجارب الفاشلة في كل موسم يكون لها واقعها المرير على جماهير الفريق وتعطينا فكرة عن أنّ الفريق يحتاج الكثير لكي يصنّف بين كبار القوم.
*عبد الرزاق حمدون. صحفي رياضي مقيم في ألمانيا