إذا شبهنا إسلام التنزيل الحكيم الذي أتى إلى محمد (ص) بكرةٍ من نور، فإن المنظومية التراثية نسجت طبقات من خيوط حول هذه الكرة، وتضخمت تدريجيًا إلى أن حجب أي بصيص من ضوء صادر عنها، وأثقلتها بما هو معتم، وإن كان المسلمون جميعهم قد تأثروا بهذا التشويه، فإن الأثر الأكبر كان من حظ المرأة، فرغم أن الإسلام قد وضع اللبنة الأولى في تحريرها، إلا أن الثقافة الإسلامية الموروثة كرست وضعًا مهينًا لها، وجعلت منها متاعًا لخدمة الرجل ليس إلا.
المرأة وفق الموروث هي المسؤولة عن خطيئة آدم وطرده من الجنة، وهي ضلع قاصر، ووفق كتب البخاري ومسلم تتساوى مع الكلب والحمار في إبطال الصلاة، حتى أن الحمار يسبقها “…فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود”، ومن باتت وزوجها غاضب عليها ستلعنها الملائكة، لذلك فإن معظم النساء في جهنم، ومعظم أهل جهنم من النساء، والأحاديث من هذا القبيل لا تعد ولا تحصى، ولا يتسع المجال لذكرها.
أما في التنزيل الحكيم فصورة المرأة مختلفة تمامًا، وهي مساوية للرجل، ندًا لند، بدءًا من آدم (الجنس البشري بذكوره وإناثه) الذي حمل وزر العصيان والخروج من الجنة {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} (طه 121)، ثم خطابه تعالى فيما بعد للاثنين معًا، ذكورًا وإناثًا على حد سواء {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ أوَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيمًا} (الأحزاب 35)، أما الجزاء فمقياسه التقوى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات 13)، ومن ثم لا يمكن أن يعتبر الله المرأة متاعًا من الأشياء أو يصنفها مع الدواب كما اعتبرها الفقه في فهمه للآية {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} (آل عمران 14) فـ “النساء” هنا من “النسيء” أي ما استجد من أشياء (المتأخرات) وهذا طبيعي، حيث يستهوي الناس دائمًا كل ما هو أحدث، سواء كان سيارة أم هاتفًا أم غيره، ولا يمكن أن تكون جمع امرأة، وإلا لكان النص متناقضًا.
وبهذا المعنى يمكننا فهم آية القوامة {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} (النساء 34) فالرجال هنا هم الأكفأ (ذكورًا وإناثًا) والنساء هم الأقل كفاءة (ذكورًا وإناثًا)، والقوامة في البيت للأفضل ماليًا أو اجتماعيًا أو علميًا، والمرأة الصالحة، سواء كانت أمًا أو أختًا أو زوجة، هي من لا تستبد برأيها وتستغل أهليتها للتسلط، وإن حصل فهناك طرق لمعالجة الموضوع، آخرها “الضرب” أي سحب القوامة منها، ولا يعني أبدًا الضرب الفيزيائي مبرحًا أم غير مبرح، والتنزيل الحكيم حين أراد المعنى الفيزيائي للضرب ذكر الأداة {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً} (البقرة 60)، واستخدم عدة تعابير مثل “هش”، “وكز” تختلف كل واحدة عن الأخرى بالمعنى، أما أن تصبح الآية (النساء 34) سندًا لضرب النساء فهذا ليس من الإسلام بشيء.
ومن الآيات التي أسيء فهمها وتطبيقها آية التعددية الزوجية {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} (النساء 3) رغم أن الشرط واضح، وهو وجود يتامى نريد أن نقسط فيهم ونعيلهم، ولجعل الموضوع أكثر سهولة سمح الله تعالى بتعدد الزوجات في هذه الحالة فقط، أي أن تكون الزوجة الثانية أرملة ذات أيتام، والهدف الرئيسي هو إعالة أولادها، لذلك وضع شرط {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ} أي تعدلوا بين اليتامى لا بين النساء، لذلك قال {أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ}، ويمكن للمجتمع منع التعدد أو تطبيقه وفق الظروف.
ولعل الأكثر إجحافًا بحق الإناث هو ما اختلقه الفقهاء في موضوع الإرث، حيث فسروا الولد على أنه الذكر زورًا وبهتانًا، فطبقوا آية الكلالة في حال كان للمتوفى بنات فقط ولم يكن له ابن ذكر، ومن ثم تذهب أملاكه لأخوته، علمًا أن الوصية هي الأصل في الإرث {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} (البقرة 180) وما حدث عبر الزمن هو تفضيل حديث يخص حالة معينة “لا وصية لوارث” على نص إلهي ذكرت فيه الوصية إحدى عشر مرة، عدا عن آيات الإرث التي يجب قراءتها وفق الأرضية المعرفية لعصرنا لا كما قرؤوها سابقًا.
أما اللباس فالتنزيل الحكيم وضع الحد الأدنى الواجب تغطيته من جسد المرأة والرجل، وهذا الحد يتماشى مع ما ترتديه اليوم معظم نساء الأرض، لكن المنظومة الفقهية أبت إلا أن تجعل من اللباس الاجتماعي لنساء شبه الجزيرة العربية في القرن السابع زيًا إجباريًا للنساء المسلمات.
فإذا كان الرسول الأعظم قد بايع النسوة وقبل عهدهن {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (الممتحنة 12) فهل تقبلن اليوم أن ينظر إليكن كـ “ناقصات عقل ودين”؟.
الموقع الرسمي للدكتور محمد شحرور
مقالات للكاتب: