رشا الخضراء*
“زوجك لا بيضربك ولا بيعرف عليكِ” جملةٌ تسمعها نساءٌ كثيرات في بلادنا، عندما يطفح بها الكيل من تصرفات زوجها أو سلوكه معها وتبدأ بالشكوى، فيأتي الجواب المفحم بأن زوجها لا يضربها ولا يخونها ولا يتعرف على أخريات من وراء ظهرها، فهي إذاً محظوظة وعليها أن تقدر فضله وكأن ذلك منّةٌ منه عليها!
يعود أصل كثيرٍ من المشاكل بين الزوجين أو بين أي رجلٍ وامرأة من وجهة نظري إلى جذور عميقة في مجتمعنا، وإلى التربية التي ترتكز على اعتبار الرجل “رب الأسرة” الذي لا يخطئ وأنه “فرفور ذنبه مغفور”، والتبريرات جاهزة سلفاً؛ فإذا قسى على أهل بيته يبرر ذلك بأنه منهكٌ في عمله، وإذا تجاهل زوجته أو تزوج غيرها يطلب منها الصبر والتحمل حتى لا “تخرب بيتها بيدها” في تجاهلٍ كامل لكونه هو من تزوج.
ومن المؤكد أن العنف الأُسَري والعنف ضد المرأة موجود في كل المجتمعات ولكن هو آفة مرفوضة في المجتمعات الغربية، بينما هو تصرف مبرر مجتمعياً ودينياً في الدول العربية، وبالطبع هناك أمثلة عديدة أخرى كرست صورة المجتمع الذكوري القائم على أفضلية الذكر على الأنثى، حيث تؤسس بعض العائلات تربية بناتها على أسسٍ مشابهة، فعلى الأخوات أن يقمن بخدمة الأخوة الصبيان، وجملٌ من قبيل “قومي سخني الأكل لأخوكِ” أو “قومي اكوي قميص أخوكِ” رائجة جداً في بيوتنا. ولا ضير أيضاً من التذكير بأن الشاب إذا تعرف على فتيات وأقام علاقات فهو شاب “جغل” يفخر به أبواه ويحسده أقرانه، أما البنت فتوصف مباشرةً بأنها بلا أخلاق.
في المواجهة نساءٌ ما بين الخضوع أو التحول إلى “مسترجلة”
للأسف كانت ردود فعل عدد من النساء تجاه هذا المجتمع إما اعتبار نفسها كائن يستحق الدلال والمكوث في المنزل في انتظار ما يقدمه الزوج لها، وبالمقابل تخضع هي لمتطلباته ولو لم تقتنع بها، وفي هذا ظلم لكل منهما، أو أن تتحول لامرأة دون أية أنوثة متمردة على واقعها بشكل مفرط، أو طبعاً أن تتحول إلى مجرد امرأة خانعة لا حول لها ولا قوة ولا تحصل على أية حقوق حتى أنها قد تسكت عن الضرب والتعنيف اللفظي من باب أنه الرجل ولديه ميزات وصفات أخرى تجعلها تغض النظر عن العنف الممارس في حقها، أو حتى أن تشعر به حقاً طبيعياً للرجل، وأنها تستحق ما يحيق بها.
يجدر بالذكر أن العديد من الإناث يطمعن في أخذ المكاسب من كلا الطبيعتين المختلفتين للتعاطي بين الذكر والأنثى، فهي تطالبه بالصرف وتحمل كل الأعباء والعمل بينما تجلس هي في المنزل وفي نفس الوقت تطالب بحريتها المطلقة، حرية بمكتسبات دون واجبات، أي أن اختلال التوازن والصدمة الثقافية أصابت كل من الرجل والمرأة.
وفي أغلب الحالات يمكن القول إن الرجل كان دوماً يعتبر “قائد المركب” لا “شريك حياة”.
لا يمكنني بأيّ حالٍ أن أتناسى مظاهر معاكسة تماماً حيث تكون هناك ردة فعل عند الرجل على ممارسة العنف ضد المرأة، وبدل أن يبحث عن علاقة متوازنة نجده يأخذ دور الضحية ويكون هو المعنَّف في العلاقة، ولا شك أن لهذا الوضع أسباب عديدة قد يكون أحدها أن تكون المرأة في هذه الحال متمردة على عنفٍ تعرضت له سابقاً مما جعلها تمارس العدوانية الاستباقية ضد الرجل الشريك. فيما تختلف أيضاً ردود أفعال الرجل مع الزمن، فقد يبقى منساقاً لهذا الوضع غير الصحي، أو يشعر بالعار في صميم رجولته مما ينعكس أيضاً بمظاهر أخرى أكثر خللاً. وبكل الأحوال لا تستطيع هذه الأشكال المشوهة من العلاقات أن تحقق النجاح.
لا يمكن التعميم
وبالطبع لابد أن نبتعد عن التعميم في جميع الحالات السابقة، لأن الأمر مرتبط بعادات كل عائلة، واختلاف التقاليد بين المدن والقرى، وكذلك تباين المستوى الاجتماعي والمادي والوعي الفكري، وهذه الاختلافات قائمة في كل المجتمعات.
كما لا يمكننا أيضاً أن نتجاهل أنه مع تطور المجتمع وازدياد الصعوبات الاقتصادية بدأت النساء تخرج للعمل بشكل أكبر وبدأت تتغير معاملة ونظرة الرجل للمرأة أحياناً باعتبارها شريكةً له في الإنفاق، رغم أن الرجل في غالبية الأوقات لا يشارك في أعباء المنزل على سبيل المثال، لكنه لايزال يتمتع بتلك “الدرجة”.
أخيراً أتصور أنه لا بد من التأكيد على أهمية العلاقة التشاركية بين الزوجين دون أفضليةٍ لأحدهما على الآخر، فالعبرة للإنسان بإنسانيته لا بجنسه ولا بقوته الجسدية أو الاقتصادية وإعادة النظر أخلاقياً إلى الظواهر الذكورية المنتشرة في مجتمعاتنا ومحاكمتها بحيث لا يعتبر الزوج فحلاً عندما يضرب أو يخون، وبالتالي لا يكفي انعدام هاتين الخطيئتين لاعتباره زوجاً مثالياً يتوجب على الزوجة بعدها السكوت عن أي عيوب أخرى فيه.
رشا الخضراء. إعلامية سورية مقيمة في ألمانيا