سعاد عباس.
تعقيباً على ما أثاره موضوع تشديد شروط لم الشمل للحاصلين على الحماية الثانوية، من ردود أفعالٍ لاسيما تلك التي تبين نفاذ صبر بعض المتشددين تجاه سياسة اللجوء والرافضين للم الشمل خشية زيادة أعداد اللاجئين، أجرت أبواب لقاءاتٍ عدة، لتستوضح آراء ألمان وعرب حول أهم التعليقات التي وردت، للتمكن من عرض المسألة من وجهات نظر أطراف متعددة
أطفال ينتظرون لم شمل عائلاتهم:
يوناس معماري ألماني يعيش ويعمل في هامبورغ ولديه طفلان في العاشرة والخامسة عشرة، يعتقد إنه شخصياً لن يمتلك الجرأة لإرسال أحد طفليه في رحلة البحر، ولكن لا يعلم ماذا كان سيفعل لو وضع في ظروف الحرب، “لا يحق لأحد أن يلوم الأهل أو ينتقص من محبتهم لأبنائهم، فهذا الأمر في النهاية يخضع لحالات نفسية لا يمكن لمن يعيش في أمان أن يتصورها”، ويتفهم الأهالي اليائسين والراغبين في إنقاذ ولو واحدٍ من أطفالهم على أمل أن يقوم بعد ذلك بإنقاذ الآخرين. يقول يوناس “الأفضل لفهم هذه الحالات إجراء حوار مباشر مع الأسر التي قامت بذلك وفهم دوافعها، بدلاً من توجيه الاتهامات جزافاً”.
في هذا السياق تقول أمل التي كانت تعمل في مساعدة اللاجئين في لبنان قبل أن تأتي هي أيضاً إلى ألمانيا:
لقد عملت لسنوات مع اللاجئين السوريين في مخيمات لبنان المعرضة للرياح والسيول والاحتراق في ليالي الثلج ليموت بعض قاطنيها، كان هناك بعض المحظوظين ممن نالوا شرف السكن في ملاجئ جماعية مهيّئة في مدارس أو مصانع مهجورة حيث يقطن ما بين 8 إلى 50 عائلة، تتشارك الحمامات والمطبخ وأسرار بعضها عبر الجدران غير المعزولة، وتتعرض لازدراء السكان المحليين، ويحرم أبناؤها من الذهاب إلى المدارس لغلائها أو بعدها وعدم وجود مواصلات.
ورغم أنني سوريّة إلا أنني كنت أشعر بغضبٍ عارم تجاه من يرسل أبناءه في رحلة الموت نحو أوروبا، لاسيما بعد غرق مئات الهاربين ومنهم أطفال كثر.. “كيف تجرؤين على إلقاء ابنتك ذات الـ12 سنة في “البلم” مع غرباء لتعبر البحر إلى ألمانيا ليتلقفها مجهولون؟” هكذا سألت امرأةً في مأوى متهالك، كان للمرأة ابنان أصغر عمراً وابن في السادسة عشرة يعمل في ورشات البناء ليعيلهم بينما زوجها مفقود، لكنها أجابتني بيأسٍ لا يوصف “هناك احتمال 50% أن أخسر طفلتي في البحر، واحتمال 50% أن تنجو وتنقذ أخوتها الذين إن لم يقتلهم الجوع والبرد والذل هنا فستقتلهم الحرب حالما يعيدنا اللبنانيون إلى سوريا”، خجلت من نفسي لأنني حاكمتها ولمتها في سري.
حالات إيجابية لقاصرين في ألمانيا رغم عدم لم الشمل
ميساء سلامة فولف وهي محررة في أبواب وتعمل مترجمة مع دائرة الشباب (Jugendämt)، تقول من خلال تجربة عملها مع كثيرٍ من الأطفال والقصر غير المصحوبين بأهاليهم، إن هؤلاء الأطفال هم مشروع جذاب وسهل للجماعات المتشددة من جهة “يعيدون تكوينهم بما يتماشى مع اهدافهم دون رقابة الأهل والتأثير الأخلاقي والحماية العاطفية، لاسيما مع احتياجهم إلى انتماء بديل”، وأيضاً لتجار المخدرات والجريمة من جهةٍ أخرى من خلال إغرائهم بالمال السريع. ولكن تؤكد السيدة فولف “إن هذا قد يحدث عند انفصال الأطفال وخضوعهم لظروف سيئة وصدمات مهما كانت جنسيتهم وحتى لو لم يكونوا لاجئين”.
وعن تأثير التأخر في لم شمل هؤلاء القصر لفترات قد تمتد لسنوات بالنسبة لبعضهم، تقول فولف “إن بعض الأهالي الذين يقطنون في مناطق آمنة غير مهتمين بالقدوم إلى ألمانيا، ولكن همهم الوحيد هو نجاة طفلهم من الحرب أو الانضمام لإحدى الأطراف المتقاتلة، ويريدون فقط أن يشق ابنهم طريق مستقبله في ألمانيا، وإذا استطاع إرسال بعض النقود إلى أهله فهذا أيضاً جيد. أما الأطفال القادمون من المناطق الساخنة، فهنا نلمس الخوف الدائم على أهاليهم وانعكاس هذا الخوف بشكل سلبي على حياتهم ودراستهم وسخطهم على المجتمع”
تضيف فولف “هناك مجموعة كبيرة من الأطفال اندمجوا في المجتمع وتابعوا تعليمهم، بينما فئة قليلة غاضبة على المجتمع الألماني ولكن هذه الحالة لا تعمم، وربما يضغط الأهل في الوطن على أبنائهم لتعجيل لم شملهم مما يزيد وضع هؤلاء الأطفال سوءاً”.
من جهةٍ أخرى يحصل هؤلاء القصر على المساعدة الشبابية، وتتضمن السكن ضمن مجموعات من أعمارهم برعاية مختصين على مدى 24 ساعة، ويخصص لكل طفل وصيّ مسؤول عنه، ينوب عن الأهل في المسائل القانونية والصحية والتعليمية، والاهتمام به حتى لو سلك طريقاً سلبياً في المجتمع، حيث يتوجب الدفاع عنه ومساعدته قدر المستطاع.
تضيف فولف “بالطبع هناك حالات ادعى فيها راشدون أنهم تحت السن وكذبوا عند تقديم طلباتهم، ليعاملوا معاملة القصر من ناحية لم الشمل والحصول على المساعدة الشبابية، ولكن ليست هناك احصائيات واضحة لذلك”.
العبور في بلدان آمنة من الحرب وصولاً إلى ألمانيا.. لا ينفي أننا لاجئون
تقول علياء م وهي لاجئة في ألمانيا تتابع دراستها الجامعية وتعمل كنادلة في أحد مقاهي كغويتزبيرغ في برلين، حيث استقرت منذ ثلاثة أعوام بعد أن تمكنت من لم شمل والدتها وشقيقها الأصغر، “لا أفهم أبداً كيف يتصور أحد أنني أو غيري من الشباب يمكن أن نقفز إلى بلم مرعب، ونواجه الموت غرقاً وكل عذابات الطريق بعد ذلك وصولاً إلى ألمانيا لأننا نطمع بسقف وببعض النقود وبأن نعيش عالةً على المجتمع.
ماذا يجب أن نفعل ليقتنع اليمينيون بأننا جئنا لأننا فقدنا أي أمل بالكرامة حيث كنا، وهل يعتقدون أن الموت من الذل في لبنان أو تركيا أسهل من الموت بالرصاص؟ كثير ممن جاؤوا إلى ألمانيا يدرسون أو يعملون ويوفر بعضهم النقود ليعيلوا عائلاتهم، ويبذلون كل جهدهم لينقذوا من تبقى منهم من ذلك الذل الذي يشبه الموت. لسنا طامعين، وألمانيا ليست جنة، نحن فقط نريد أن نعيش كغيرنا ببعض الكرامة.
وليست تهمة أننا اخترنا هذا البلد دوناً عن غيره، اخترنا ألمانيا لأننا سمعنا حينها بالترحيب والإنسانية التي يستقبلون بها اللاجئين، والطمع بالحب ليس عاراً.. يجب أن يكونوا فخورين بذلك وليس غاضبين”.
تعميم الحالات السلبية
تقول Amelie وLouisa وهما ألمانيتان تدرسان في كلية الفنون في برلين، أن هناك حالات سلبية من الكسل والجهل والاستهتار، وأحياناً المخالفات والجرائم قام بها لاجئون، مما تسبب بتغير رد الفعل وانطفاء سياسة الترحيب شيئاً فشيئاً، وتقول لويزا “ليس منطقياً تعميم هذه الحالات على مئات الآلاف من اللاجئين، فالإجرام موجود في جميع المجتمعات، ولا يمكن توقع أن مليون ملاك لجأوا إلى بلادنا دفعة واحدة”.
اللاجئون على طريق النجاح ولكن..
ويعقب Maximilian، وهو مدرس لغة ألمانية بأن المشكلة الأساسية برأيه ليست في أن اللاجئين كسولين أو لا يريدون العمل ويرفضون الاندماج، ولكنهم مازالوا غير مستقرين نفسياً سواء بسبب ما مروا به سابقاً، أو بسبب الصدمة الحضارية وصعوبة التكيف مع كل شيءٍ جديد، عدا عن الاضطرار لتلبية متطلبات “الاندماج”، وفوق هذا هم بعيدون عن أسرهم مما يشكل عبئاً أكبر عليهم، قد ينتج عن ذلك حالات نفسية سيئة جداً تترك آثارها على تعامل هؤلاء اللاجئين مع المجتمع من حولهم، وربما بعضهم يصبح عدائياً أو مستهتراً أو يصاب بانتكاساتٍ وأمراضٍ نفسية كالاكتئاب وغيره.
ويشير إلى أن أغلب العائلات التي تمكنت من لم الشمل، تبذل جهدها لإعادة بناء تماسكها الذي زعزعته الحرب واللجوء والزمن، وبالتالي فإن أعباءها كبيرة والجهود التي تبذلها كبيرة أيضاً، وهذا ما يجب توضيحه للمعترضين.
لكنه يعتبر أنه لا يمكن مطالبة الألمان بتحمل مسؤولية هذه المشاكل، لأنهم قاموا بواجباتهم الإنسانية وفتحوا قلوبهم وأبوابهم للاجئين وتطوعوا لمساعدتهم وتعليمهم ودعمهم، وهذا لا يمكن أن يكون دعماً دائماً وغير مشروط، ففي النهاية على اللاجئين أنفسهم بعد أن وصلوا إلى بر الأمان أن يحاولوا التواصل مع البلد الجديد وتقبل ثقافته وقوانينه وأسلوب حياته، وهذا يستلزم تعلم لغته والعمل فيه ودفع الضرائب والمساهمة في بنائه وفي دعم الفقراء الآخرين، فالمساعدات لن تكون متاحةً هنا بدون نهاية.
إن نظامنا الاجتماعي يقوم على التكافل والتضامن واللاجئ يجب أن يصبح عضواً فعالاً في هذا النظام، ومن ثم يستطيع أن يحضر باقي أفراد أسرته ويمنحهم الحياة الكريمة.. وهؤلاء هم جيل ألمانيا القادم.
لجوء وليس هجرة
لا يتفق Andreas مع Maximilian ، رغم أنه مدرس معه في نفس المدرسة، وهما يتحدثان دائماً في موضوع اللاجئين بسبب احتكاكهما مع الكثير منهم في المدارس، يقول أندرياس: “كنت داعماً لقرار ميركل بفتح حدودنا أمام اللاجئين وقت كانت هناك حاجة، ولكن في المقابل اللاجئون ليسوا مهاجرين، هم هنا لسبب وبزواله عليهم العودة مرة أخرى إلى وطنهم، وبالطبع فإن لم شمل الأسرة لن يحفزهم على العودة، وهو ما يتنافى مع فكرة اللجوء أصلاً. من الأولى للاجئين ولاسيما من حصلوا على الحماية الثانوية أن يفكروا بالعودة إلى بلادهم وإعادة إعمارها حين تصبح آمنة لاستقبالهم”
سيشكين تركي الأصل في عقده الرابع يعيش في ألمانيا منذ 15 عاماً، يصف نفسه بأنه مهاجر “مندمج”، رغم أنه جاء صغيراً ووحيداً، “أنا أتكلم اللغة بطلاقة وأقدر الثقافة المحلية، وهذا بالنسبة لي هو أهم الأمور التي جعلتني أشعر بالانتماء لألمانيا دون حاجة للم شمل أو أصدقاء من الوطن”. ويضيف “للأسف من لا يستطيع تقبل ألمانيا كما هي سيُدفع إلى حواف المجتمع وسيكون معزولاً حتى لو كان معه كل أفراد عائلته”.
لكنه يؤكد “أن هذا الأمر قد يكون صعباً ويستغرق وقتاً مع اللاجئين لأنهم لم يختاروا تغيير أوطانهم وربما لا يريدون الانتماء لأي مكان آخر، وهنا المأساة الأخرى، لأنهم بهذه الطريقة سيكونون خاسرين مرتين. ولهذا فإن الخطوة الأولى هي مواجهة أزماتهم النفسية وحلها واللجوء للمساعدة في هذا المجال، ثم اللغة والعمل للانخراط في المجتمع فهذا ما سيجعلهم يشعرون بالقيمة من جديد”.