د. هاني حرب. باحث في جامعة هارفارد – US، باحث سابق في جامعة فيليبس ماربورغ – ألمانيا
للأسف ومع بداية شهر نيسان/ابريل الماضي، وصلتنا أخبار وفيديوهات لارتكاب جريمتين ضد النساء هنا في ألمانيا.
في الجريمة الأولى قام القاتل بقتل طليقته، والإعلان عن جريمته هذه مباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الثانية صور أخته وهي تنزف بعد أن قام بطعنها عدة مرات، وشق فمها باستخدام سكين حادة.
هذه الجرائم، والتي ندّعي يومياً أنها لا تمثلنا أو تمثل ثقافتنا أو تمثل الدين الإسلامي، أصبحت تشكل محور النقاشات الأساسية الألمانية الحكومية منها والخاصة بشأن الاندماج. فالاندماج العائلي بالنسبة لألمانيا أولاً، وبالنسبة للأوربيين بشكل عام يعتبر من العوامل الأساسية التي يودون إنجازها بشكل متكامل، خوفاً من بناء كيانات جديدة مستقلة اجتماعياً داخل المدن، حيث لا يكون هنالك تعليم حقيقي للغة الألمانية، وعدم اندماج حقيقي للعوائل المهاجرة، حيث تجد ألمانيا نفسها أمام نفس المشكلة التي حصلت بعد موجة الهجرة الأولى في ستينيات القرن الماضي.
إن العنف الأسري المتأصل ضمن مجتمعاتنا العربية أصبح اليوم مأخذاً أساسياً لحكومات الولايات الألمانية المختلفة، أثّر بشكل غير مباشر على الكثير من قوانين اللجوء المرتبطة بالاندماج الأسري، وخصوصاً اندماج المرأة ضمن المجتمع الألماني.
خلال عام ٢٠١٦ ارتفع عدد حالات التحرش الجنسي في ألمانيا والتي يقوم بها أجانب من ٤.٦٪ إلى ٩.١٪. هذه الزيادة الهائلة والتي تمثلت ب ١٠٠٪، كان مردها الأساسي ارتفاع أعداد المهاجرين خلال عامي ٢٠١٤ و٢٠١٥ لقرابة المليون مهاجر.
عند بداية عملي مع القادمين الجدد عام ٢٠١٤، واجهتني عدة حالات من التعصب الذكوري الأعمى، مثل من يمنع زوجته أو حتى أطفاله من الذهاب لدورات اللغة الألمانية، بحجة أنه لا يريد الخروج من المنزل، أو لا يرغب أن يتعلم اللغة الألمانية. هذه الأمور وغيرها من المشاكل الأخرى خرجت على السطح بعد طلب العديد من الزوجات الانفصال عن أزواجهن بعد الوصول إلى ألمانيا، مروراً بقيام أحدهم برمي أطفاله من شباك الطابق الثالث، لتهديد زوجته له بالانفصال عنه، وانتهاءً بجريمة “أبو مروان” التي يندى لها الجبين، والتي اعتبرها الشارع الألماني مرآة واضحة لتشكيل المجتمعات المشرقية ولمدى التعصب الأعمى والجهل فيها.
إن الصورة النمطية الحالية للرجل الشرقي تبدأ بالشاربين العريضين، وتنتهي بالتحكم الكامل بتصرفات عائلته، وخصوصاً الإناث منها في كل مناحي الحياة. هذه الصورة التي أخدها المجتمع الألماني ومازالت تترسخ لديه، لا سبيل لتغييرها إلا لتغيير المجتمع نفسه أومحاولة إصلاحه بشكل جذري.
علينا أن نعترف أنه عند النظر إلى الأرقام المختلفة لحالات العنف ضد المرأة بشكل عام في ألمانيا، فإن نسبة الحالات التي يقوم بها المهاجرون تشكل حوالي ١٠٪ من الحالات العامة، وهم فعليا يشكلون حوالي ١٠٪ من سكان ألمانيا. علمياً هذا يعني أنه لا توجد زيادة في حالات العنف ضد المرأة من المنظور العام، ولكن يتم تضخيم الكثير من حالات العنف ضد المرأة القادمة من المهاجرين، وخصوصاً بوجود الرقابة المشددة عليهم من قبل الجوب سنتر أو العاملين الاجتماعيين المحيطين بهم.
هذا الأمر يجعل ما يقوم به المهاجرون أو القادمون الجدد تحت منظار الرقابة الاجتماعية الألمانية لكيل التهم لثقافة كاملة ـ ولا أقول إنها براء كلياً من هذه الأفعال ـ لمحاربتها ومحاولة تفكيكها بالكامل، بعد اتهامها بالهمجية والبربرية.
إن الصورة المشوهة للذكر بشكل عام ضمن مجتمعاتنا الشرقية لدى المدقق الألماني، سياسياً كان، أو عاملاً اجتماعياً، تنطلق للأسف من حقيقة أن التصرفات الذكورية للإنسان الشرقي تطغى وبشكل عنيف على أي شكل من أشكال الاندماج الأخرى. إنه لمن المهم جداً أن تبدأ عملية التغيير أولاً بتثقيف المرأة عن حقوقها التي كفلها لها الدستور الألماني أولاً، ومن ثم تثقيف الذكر العربي أولاً، والمسلم ثانياً، أن المرأة ليست أداة أو سلعة، بل هي كائن حي تملك ما يملك من حقوق وعليها ما عليه من واجبات تجاه عائلتها أولاً، وتجاه مجتمعها ثانياً.
في النهاية يمكن لنا القول بأن نظرة الألماني إلى المهاجرين الجدد من منظور التعامل مع المرأة، يأتي من عوامل عدة يجب العمل عليها لفترة طويلة جداً لتغييرها، وهي:
- ما يقوم به المهاجرون الجدد من تصرفات توضح العنف ضد المرأة، إن كان هذا الأمر مبرراً له أم لا من وجهة نظر المهاجر.
- التركيز الإعلامي على كل السلبيات التي يقوم بها المهاجرون الجدد، متناسيين أنهم بشر كغيرهم، وأخطائهم إحصائياً لا تزيد عن المعدل الطبيعي العام، ضمن المجموعة الإحصائية العامة التي شملت الأجنبي والألماني معاً.
- إظهار المهاجرين بشكل عام ضمن الآلة الإعلامية الغربية كهمج، دون المعرفة الحقّة بالحضارة والثقافة التي أتوا منها.
اقرأ أيضاً للدكتور هاني حرب: