“دن…دن…دن… هنا لندن بي بي سي” إن كنت مثلي في العقد الخامس من العمر، ربما يذكرك هذا الصوت بزمن قد يبدو لك سحيقاً الآن.
أو كسوري صغير العمر في تلك المرحلة، قد يذكرك برائحة “هامول” معجون الحلاقة الذي يستخدمه أبوك في صباحات أيام الجمعة وهو ينصت، كما يبدو لك، للأخبار الموثوقة من إذاعة الـ” بي بي سي العربية” التي لم تكن تدرك في حينه من أين أتى اسمها العجيب ذاك. ويعزز توقف أبوك للحظة عن حفِّ ذقنه للإنصات لأخبار فلسطين إحساسك الساذج بأنه ” يالها من إذاعة! يا لها من مصداقية!”. وتكبر وأنت تقول:” لا أخبار بعد أخبار الـ (بي بي سي)”. لكن للأسف يفاجئك بعد سنوات طويلة عنوان مقال على موقع “بي بي سي عربي” يقول: “كيم جونغ اون: ابن راقصة وزوج مطربة يثير الفزع حول العالم“، فيعاودك سؤال وجودي لا مهرب منه: “ما خَطبُ هذا العالم؟”. ألم تستطع مخيلة الكاتب أن تسعفه بعنوانٍ أقل إسفافاً من هذا؟. أحقاً يعمل هذا الرجل في (بي بي سي) أبي؟
لتلتجىء من ذلك إلى جواب بديهي: “يبدو أنهم يعتبروننا بقراً، تأكيداً لقول علي الديك بافاروتي.
أشكر الأقدار أن أبي لا يعرف الكثير عن ذلك الشيء الذي يدعى إنترنت ليقرأ ذلك العنوان، فهو ما يزال يحب “بي بي سي” الثمانينات الصادحة من الراديو القديم ذي الإبرة المتحركة، مخطئاً كان أم مصيب.
أما أن تصل الصفاقة لأن يعنون موقعٌ إعلامي كبير مقالاً يعيّر فيه أحداً ما، -بغض النظر أنه بنظر أغلبنا في هذه الحالة هو شخصٌ معتوه تماماً-، ليس فقظ بمهنة أمّه “الرقاصة”، بل وبمهنة زوجته “المطربة” أيضاً، وكأن هاتان المهنتان كافيتان لإذلال شخصه. فتختفي من مخيلتك راقصة ساحرة مثل “بينا باوش” ومطربة مذهلة مثل “فيروز” كمثالين ساطعين عن “الراقصات” البهيات و”المطربات” الأسطوريات، لتحل محلهما “راقصات” كاباريهات شارع الهرم في القاهرة و”مطربات” مقاصف (التل) في ريف دمشق. ربما جاء هذا العنوان قصداً أو دون قصد لكنه حتماً يوظف المهنتين في العنوان لتعيير الشخص المعني بدونيتهما.
أتساءل:هل يجرؤ كاتب المقال أن يضع عنواناً كهذا باللغة الإنكليزية أو أية لغةٍ أخرى “لا يعتبر متكلموها (حَوَش)”؟ لا أعتقد ذلك، لأنه في اليوم التالي سوف يجد عشرة محامين يمثلون عشرات النقابات والمنظمات الإنسانية والمدنية يوجهون إليه استدعاءات إلى المحكمة.
لتحترمونا قليلاً يا سادة، فنحن نستحق ذلك.
اقرأ أيضاً للكاتب: