ثامر الزغلامي – تونس.
بعيداً عن العاصمة، ووسط تكتمٍ شديد تحط أسبوعياً في مطار النفيضة الدولي بمحافظة سوسة الساحلية، طائرات خاصة إيطالية على متنها مهاجرون تونسيون غير نظاميين تم ترحيلهم قسراً من إيطاليا بعد أن وصلوا إلى سواحلها سراً عبر البحر الأبيض المتوسط.
تقارير المنظمات الحقوقية المحلية تشير إلى ترحيل قرابة أربعين تونسياً أسبوعياً منذ أكتوبر الماضي، بعد احتجازهم لعدة أسابيع بمراكز إيواء المهاجرين جنوب إيطاليا في ظروف وصفت بالغير إنسانية. وطالبت هذه المنظمات السلطات الإيطالية بالايقاف الفوري لعمليات الترحيل، التي قالت إنها تتناقض مع القوانين والمواثيق الدولية.
اتفاقيات غير عادلة لترحيل “مهاجرين غير شرعيين”
دعا المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، السلطات التونسية والإيطالية لمراجعة الاتفاقيات الثنائية التي يقع على أساسها الترحيل القسري للتونسيين، واعتبرها غير عادلة. وقال رمضان عمر المسؤول بالمنظمة، إن تونس وافقت على بعض الاتفاقيات التي تقبل بموجبها ترحيل التونسيين من الاراضي الإيطالية، بسبب أوضاعها الاقتصادية الصعبة لافتاً إلى أن البلدين ينتهكان القوانين الدولية بهذه الممارسات.
كما أكدت منظمات محلية ناشطة في مجال الهجرة، أن تونس وإيطاليا وقعتا بروتوكلات تعاون تقضي بدعم الاقتصاد التونسي، مقابل موافقة تونس على ترحيل مهاجرين غير شرعيين.
يذكر أن لقاءات مكثفة جمعت خلال الفترة الماضية مسؤوليين تونسيين وإيطاليين، لبحث مجالات التعاون الأمني والاقتصادي للحد من الهجرة غير النظامية، وكان من نتائجها الإعلان عن مساعدات مالية وعسكرية لتونس والاتفاق على العمل للحد من الهجرة غير الشرعية عبر المتوسط.
وكشفت تقارير إعلامية أن الجانبين التونسي والإيطالي، اتفقا على اتخاذ إجراءات ترحيل عدد من التونسيين بشبهات التطرف أو الاجرام. في حين نفت السلطات التونسية ذلك، وأكدت أن التعاون التونسي الإيطالي لمكافحة الهجرة غير الشرعية يجري في إطار احترام حقوق الإنسان وسيادة البلدين، مشيرةً إلى السعي لتحسين أوضاع العاطلين في تونس، والكشف عن شبكات تنظيم الهجرة السرية انطلاقا من السواحل التونسية. وقال عادل الجربوعي كاتب الدولة للهجرة أن الحكومة لم توقع أية اتفاقية تضيم المهاجرين التونسيين.
كما قلل خميس الجهيناوي وزير الخارجية من أعداد التونسيين في مركز الإيواء بإيطاليا وقال إنهم لا يتجاوزون 1% من مجموع المهاجرين. وكانت منظمات محلية ودولية تحدثت عن وصول قرابة 5 آلاف تونسي إلى سواحل إيطاليا خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من سنة 2017.
ظروف غير إنسانية في مراكز الإيواء
طالبت الرابطة التونسية لحقوق الإنسان بكشف حقيقة المحادثات التي جمعت المسؤولين التونسيين ونظرائهم الإيطاليين، وما إذا كانت أفضت إلى موجة الترحيل الاخيرة للتونسيين من إيطاليا. كما نبهت الرابطة إلى مخالفة إجراءات الترحيل لاتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951، والمواثيق الدولية الكافلة لحق التنقل من أجل العيش الكريم.
وأشارت المنظمة التونسية المدافعة عن حقوق الإنسان إلى سوء المعاملة التي يتعرض لها المهاجرون في مراكز الإيواء بلمبدوزا وكاتانيا، حيث أوردت شهادات لتونسيين مرحّلين تحدثوا عن حرمانهم من أبسط الحقوق الإنسانية أثناء احتجازهم.
و شهدت مراكز الإيواء جنوب إيطاليا توتراً أدى إلى مواجهات بين مهاجرين ورجال الشرطة، كما أقدم أحد المهاجرين التونسيين على الانتحار بعد قرار السلطات الإيطالية ترحيله إلى تونس. وهو ما دفع أهالي المهاجرين في تونس إلى تنظيم تحركات احتجاجية، أدانت صمت السلطات التونسية تجاه ما يحدث.
كما نبهت منظمات حقوقية إيطالية ناشطة في جزيرة لمبادوزا، إلى خطورة الاوضاع في مراكز الاحتجاز بالجزيرة بعد زيارات ميدانية إلى هذه المراكز. الحكومة التونسية قالت إنها تعمل مع الجانب الإيطالي والمنظمات الإنسانية على تحسين ظروف إيواء المهاجرين في انتظار إيجاد حلول قانونية لوجودهم على الاراضي الإيطالية.
كابوس الترحيل واحلام البقاء
رغم الظروف الصعبة داخل مراكز الإيواء، يلجأ المهاجرون التونسيون الذين أسعفهم الحظ وعبروا المتوسط، لشتى الطرق من أجل البقاء على الأراضي الأوروبية، ويأملون أن تحمل السنوات المقبلة حلولاً تنهي معاناتهم بسبب الفقر والبطالة. كما كشفت دراسات حول ظاهرة الهجرة في تونس، أن نسبة كبيرة من المرحلين يعيدون المخاطرة بحياتهم للوصول مجدداً إلى الدول الأوروبية. من بين هؤلاء “أحمد” الذي مازال حلم الحياة الكريمة في أوروبا يراوده رغم فشل محاولته الاولى، حيث قال إنه سيعمل على تحقيقه حتى وإن ركب البحر مرة اخرى في رحلة قد تكون دون عودة. “أحمد” شاب تونسي كغيره أنهكته البطالة رغم حصوله على شهادة جامعية.
بينت دراسة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن 40% من الشباب التونسي يحلم بالهجرة إلى أوروبا ومستعد للمغامرة في سبيل ذلك، بسبب تفشي البطالة وصعوبة الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد. كما أجرى المرصد التونسي للشباب بحثاً ميدانياً بين أن الأسر التونسية تشجع أبناءها على الهجرة السرية، رغم حجم الكوارث والماسي التي تتناقلها وسائل الاعلام عن قوارب المهاجرين الغارقة في عرض المتوسط.