روزا ياسين حسن
تعرّضت المرأة خلال تاريخ الكتابة الطويل إلى محاولات حثيثة لإقصاء صوتها. فلطالما تسلّط الرجل على اللغة، والمتسلّط على اللغة متسلّط على المعنى، ينتجه على هواه وديدنه، والأهم أنه ينتجه حسب مقولاته التي يدفع بها ويكرّسها بالكتابة/ اللغة. هذا ما فعلته بالضبط السلطة البطريركية (الذكورية) على مرّ تاريخ الكتابة، حين عملت على إنتاج معناها المكرّس، بتحكمها المطلق بدفّة الكتابة. دخول المرأة إلى عالم الكتابة جعل العالم يعرف صوتًا مختلفًا، كان آخر همّ له أن يعرفه أو يسمعه، وبذلك تحوّلت المرأة من موضوع لكتابات الرجل إلى ذات إبداعية منتجة.
الكتابة، كفعل ثقافي، جزء لا يتجزأ من الممارسة الفاعلة للمرأة، باعتبارها محاولة لإعادة كتابة التاريخ والواقع بعيون مغايرة وقلم مغاير: قلم أنثى. على هذا سنعرف، من خلال الكتابة النسائية الجديدة، وجهات نظر جديدة لم نقرأها بعد، وسنتحسّس لغة جديدة لم تكتب بعد. ليست وجهة النظر القديمة، حيث سجنت الكتابة النسائية في مواضيع محدّدة ولغة ساذجة، بل وجهة النظر الراسخة والعميقة في كل شيء، ابتداء بالدهشة والحب، وليس انتهاء بالحرب ونظام الكون. الكتابة نضال من نوع مغاير يختصّ باللحظة الإبداعية، نضال هادئ وطويل الأمد ومتخلّص من الأوهام.
من أهم الصرخات التي أطلقتها مدارس ما بعد الحداثة في النصف الثاني من القرن العشرين، هي تلك التي تدعونا للاستماع إلى كل صوت سبق وأجبر على الصمت، أن نستمع إلى الهامش بكل أطيافه المتفاوتة عرقيًا وأقواميًا ودينيًا وطبقيًا وجنسانيًا. والنساء هن أكبر مساحات الهامش الجنساني وأكثرها تحييدًا، وربما كانت الكتابة عنهن أو بألسنتهن نوعًا من حرف الضوء إلى الجانب المعتم، أو نوعًا من الغوص في عوالم لم تُكتشف بعد ومازالت حتى اليوم على هامش الكتابة. إنها مجرد دعوة للانتقال من موقع المفعول إلى موقع الفاعل عبر كتابة الحكاية بعيونهن أو برؤيتهن. على هذا فتكريس الكتابة النسوية هو تكريس لكتابات الهامش. وأقصد بالنسوية (في الكتابة) كمصطلح يعنى بالكتابة ضد السلطة والثابت والمغلق، أي إنها كتابة تتنصر للهامشي والبري والمنفتح.
من هنا جاءت فكرة تخصيص هذه العدد من صحيفة أبواب لكتابات النساء، وفقط النساء، ليُهدى العدد إلى كل امرأة عربية تجاهد لتبديل واقعها، لكل معتقلة في السجون السياسية، لكل أم تحلم بغد أفضل، لكل النساء العربيات اللواتي يناضلن في أوطانهن، أو اللواتي قادتهنّ الحروب للخروج من الأوطان ليكملن مسيرة نضالهن خارجًا. ففي النهاية كتابة النساء ما هي إلا تأكيد لفكرة معروفة في فلسفة الخطوط والعمارة تقول: إن الخطوط المنكسرة والزوايا الحادة هي عمومًا مذكرة، فيما الخطوط المنحنية والزوايا المدورة هي مؤنثة، وكم سنساهم في فتح عالمنا على فضاءات واسعة، أكثر رحابة وغنىً، إذا ناضلنا لتدوير زوايا العالم الحادة: تدوير زوايا العالم بتأنيثها.