محمد ديبو. “بعد الانتخابات ستتغير سياسة ألمانيا تجاه مسألة اللجوء”، “إذا وصل اليمين الألماني إلى السلطة قد يتغير كل شيء، وستصبح ملفات لمّ الشمل أكثر صعوبة”، “يجب أن لا تخسر ماما ميركل”، “المهم أن يبقى اليسار في السلطة ولا يصل اليمين”…
تلك بعض من العبارات التي يتداولها السوريون فيما بينهم حين يعلقون على الانتخابات الألمانية القادمة، الأمر الذي يطرح أسئلة من نوع: مالذي يربط بين السوريين والانتخابات؟ وبشكل موسع: مالذي يربط بين اللاجئين والانتخابات، وبشكل أعمق: هل ملف اللاجئين هو الملف الوحيد الذي يجعل السوريين وغيرهم يهتمون بالانتخابات الألمانية أم لا؟
لا شك أنه بالنسبة للسوريين واللاجئين أنّ ملف السياسة الألمانية تجاه مسألة اللجوء وملفات لمّ الشمل هي الأكثر استحواذا على تفكيرهم، نظرا لتماسّ الأمر مع حياتهم اليومية، فهم المشرودن من بلدهم بعد سلسلة من الإهانات والعذابات والأهوال، ولا يريدون أن يتشردوا مرة أخرى! وهم الموزعة عوائلهم بين بلدان متعددة وينتظرون لم شمل الأسرة، خاصة أن لديهم أحبّة لا زالوا معلّقين في براثن نار الاستبداد من جهة وداعش من جهة، بكل ما يعني ذلك من الموت المحدق بهم في كل لحظة، إذ رغم ابتعاد من هم هنا عن نار الحرب إلا أن أفئدتهم لا تزال معلقة هناك، إذ عند كل غارة أو اعتقال أو قصف أو معركة يرجون الآلهة والشياطين معاً أن لا يحمل لهم الغد خبر مقتل أحد أحبتهم المعلّقين في فضاء العدم، حيث لا تساوي حياة المرء أكثر من رصاصة طائشة أو قذيقة مصوّبة بدقة أو تقرير أمني، أو حتى بدافع السرقة والجريمة التي انتشرت بعد أن تراخت سلطة الدولة في الكثير من المناطق السورية.. وبناءً عليه، فإنه من الطبيعي أن ينظر اللاجئون إلى هذه الانتخابات، باعتبارها تمسهم بطريقة أو بأخرى، أو ليست السياسة بأبسط تعريفاتها هي الاهتمام بأمور الناس والبشر وإدارة شؤونهم اليومية؟
انتخابات محلية/ ألمانية بقدر ما هي انتخابات عالمية
إلا أن ثمة سؤال آخر قد يطرح: وهل من مهمة السياسي الألماني أن يهتم بمسائل اللاجئين أم أن يهتم بمسائل مواطنيه الألمان أوّلاً وآخراً؟ أو ليس هؤلاء هم من سينتخبونه في حين أنه لا يحق للاجئين التصويت، وبالتالي هم لن يلعبوا دوراً في نجاح هذا المرشح أو ذاك، في حين أنه يمكن للمواطن الألماني أن ينتخب وأن يكون له دور في نجاح سياسيٍّ دون غيره، ما يجعله (السياسي) يهتم لهموم هؤلاء دون سواهم؟
هنا نصل إلى المسألة الأهم والأوسع، إذ في ظل العولمة والتداخل العالمي بين الشمال والجنوب وترابط مسائل العالم ومشاكله، وتحول الإرهاب إلى مسألة عالمية عابرة للحدود والدول، وأيضا تحوّل مسألة الاستبدادات في كل دول العالم إلى مسألة عالمية، باعتبار أنها توفر البيئة المناسبة للإرهاب.. كل هذا يجعل من كل ما يجري في العالم اليوم، مهما كان محلياً، حدثاً عالمياً، لأنه يؤثر على سياسة العالم وأمنه واستقراره، إذ انتهت منذ زمن بعيد، مسألة أن يكون ما يجري داخل دولة ما هو يخص الدولة نفسها، خاصةً حين يتعلق الأمر بمسائل حقوق الإنسان والإرهاب الذي بات يعبر الحدود ويهدّد الآمنين في أي بقعة في الأرض كانوا، ودون أن ننسى بطبيعة الحال، السياسات الغربية تجاه مسائل الجنوب، فهي سياساتٌ مؤثرة على حياة المواطن في بلدان الجنوب بشكل مباشر. من هنا يغدو انتخاب دونالد ترامب حدثاً عالمياً بقدر ما هو حدث محلي، لأن السياسة الأميركية الخارجية ستؤثر على العالم كله، وهذا ما تعرفة أوروبا اليوم أكثر من غيرها، وبالطبع كان لوصول ترامب إلى السلطة صداه في القارة الأوربية، إذ تخوّف الكثيرون من أن يكون فوزه مقدمة لتقدم اليمين العنصري إلى السلطة، كأحجار الدومينو.
ومن هذه الزاوية، يمكن القول أن الانتخابات الألمانية، وغيرها طبعاً، باتت محط أنظار العالم وكل من يمكن أن تؤثر عليه هذه الانتخابات، نظراً لتماس السياسة الخارجية الألمانية مع عددٍ من الملفات الحيوية في الشرق الأوسط، فألمانيا اليوم تعتبر أحد أهم المراكز الأوربية إلى جانب فرنسا، وأي سياسة تتخذ في هذا الشأن سيكون لها أثرها على المواطن في الجنوب، خاصة فيما يتعلق بإعادة تأهيل الدكتاتوريات التي يجري اليوم الإعداد لها في أكثر من عاصمة أوروبية. إن مسألة تأهيل الأسد وبقاءه في السلطة تعني أن عدداً كبيراً من السوريين لن يعودوا إلى بلدهم، في حين أن إزاحته عن السلطة تشكل الخطوة الأولى لجعل البعض يفكر بالعودة، إذ لا أحد على استعداد لأن يلدغ من نار الدكتاتور مرة أخرى.
ومن هنا، تغدو الانتخابات الألمانية، انتخابات محلية/ ألمانية بقدر ما هي انتخابات عالمية، وتفرض على السياسي الألماني بالضرورة، أن يكون مهتماً بكل هذا، ليحمي مواطينه الألمان، وهذا لن يتحقق إلا حين يكون العالم كله مستقراً وآمناً، فالإرهاب لا يحارب بالسياسات الأمنية وإعلاء الجدران، وإنما بعولمة حقوق الإنسان والديمقراطية وعدم تعويم الدكتاتوريات التي تشكل في حقيقة الأمر البيئة الخصبة للإرهاب.